وأنت تمشي في شارع واد التفاح وسط مدينة الخليل، بين الباعة أصحاب المحال التجارية والبسطات وتحاصرك نداءات الأسعار والعروض فيما يحاول الباعة بتلقفك من كلّ اتجاه، تميز صوتا يشق طريقه عبر كل تلك الأصوات ليطرق مسمعك٬ صوتٍ تجاوز عقده السابع لكنه يتقد بالحياة وان حمل حشرجات الكهولة.

الحاجة السبعينية مليحة الطروة التي رسم الزمان في وجهها خطوط الشقاء٬ تجلس هناك مستندة الى جدار احد المحال التجارية تقطف أوراق الزعتر وتعرضه للبيع.

في المكان الذي تجلس به حليمة، تتربع بين الزعتر البلدي برائحته العطرية القوية التي تشعل اللسان بحرارة، وبين النعنع ذو الرائحة الزكيّة، والميرمية الجبلية الخليلية ذات الصيت اللامع بنكهتها وطعمها، تبيعها في محاولة لجمع قوت يومها وزوجها.

تأتي الى هذا المكان مع ساعات النهار الاولى محملة بهذه النباتات المجبولة بهموم عائلتها٬ التي تجعلها لا تكتفي بما أتت به من ارضها فهي تشتري كميات أخرى من السوق لتعيد بيعها علها تكسب من يخفف عنها طلبات العائلة.

أربعة عقود او اقل قليلا وهي على هذا الحال٬ حملت أعباء عائلتها بعد ان اقعد المرض زوجها الذي يكبرها بعدة أعوام، فهو لا يستطيع الخروج من المنزل، فحملت عنه المسؤولية لتعيل اسرتها المكونة من ستة أبناء وفرت لهم حياة كريمة حتى تمكنوا من الاعتماد على انفسهم، رافضة ترك عملها وان كان أولادها قادرون على إعالتها٬ لتبقى ترفع شعار “العمل جهاد وحياة”.

“لا أقعد بالبيت مع الجارة هذه وتلك، لاني أحب العمل، فحلاوة الشغل كبيرة، فالإنسان يشتغل ويتعب حتى لا يحتاج ويمد يده للناس، فالشغل ليس عيبا، الشغل جهاد، وهو الجهاد الأول” قالت مليحة.

الحاجة مليحة، صاحبة نكتة، لا تأخذ معها حقا ولا باطلا كما يقال؛ لأنها لا تجيب عن السؤال إلا بمزحة ترطّب الأجواء الحارة بها، لا سيّما حرارة الوضع الاقتصادي الذي دفعها للعمل، حتى أطلقت ضحكة لفتت انتباه المارة في شارع واد التفاح وهي تقول ” الشرطة والبلدية مخربة الأمور، ورانا ورانا، بس ما في حل”.

المصدر/ شبكة راية الإعلامية: طه أبو حسين

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً