تحمل شيماء دراجتها يومياً من الطابق الثالث، لتبدأ رحلتها من أمام منزلها القاطن بشارع قصر العيني بمنطقة وسط البلد، تلك الرحلة التي لا تخلو من المضايقات والملاحقات، التي تستقبلها الفتاة بابتسامة هادئة ونظرات من التحدي.
التقاليد والعادات المجتمعية بمصر جعلت من ركوب الفتيات للدراجات من المحظورات، وعلى الرغم من عدم وجود قانون يمنع ذلك، فإن كثيراً من المصريين يرون الأمر غير مقبول للفتيات ويعتبرونه خرقاً للعادات والتقاليد.
لكن شيماء إمام، التي جعلت من دراجتها رفيقة للطريق تعتمد عليها في رحلاتها اليومية، قررت أن ترمي تلك النظرات الجارحة والانتقادات اللاذعة التي تواجهها يومياً وراء ظهرها، فلم تكتفِ فقط باستخدام الدراجة كوسيلة لقضاء رحلاتها اليومية، إلا إنها دشنت مبادرة لتعليم الفتيات ركوب الدراجة.
كلمات نابية ومضايقات
في رحلة قصيرة مدتها 20 دقيقة، حيث انطلقت من أمام منزلها متجهةً إلى أحد مقاهي منطقة وسط البلد لمقابلة صديقتها.. رحلة صغيرة في دقائق معدودة، لكنها حملت الكثير من الكلمات التي وُجِّهت لشيماء في أثناء ركوبها الدراجة، ومرورها من بين السيارات المتزاحمة بشارع قصر العيني حتى المقهى، مروراً بميدان التحرير.
بين التصفير والكلمات الخادشة للحياء والدراجات النارية التي تحاول عرقلة الطريق أمام دراجة شيماء، كانت هذه ملامح تلك الرحلة القصيرة، لكن شيماء تؤكد أن ما واجهته خلال الدقائق الماضية لا يُذكر أمام ما عاشته منذ أن قررت اعتمادها على الدراجة بشكل أساسي في حياتها.
شيماء في أواخر العقد الثاني من العمر، وتعمل مدرِّسة بأحد المركز الخدمية في هيئة إنقاذ الطفولة، تتذكر أصعب موقف عاشته بالشارع المصري، فحتى اليوم ما زال هناك قطاع كبير من المجتمع يرفض ركوب الفتيات للدراجات، على الرغم من إقبال المصريات مؤخراً على تعلُّم قيادة الدراجة واستخدامها في رحلاتهن اليومية، وعبَّرت شيماء عن سبب رفض المجتمع، قائلةً: "للأسف، النظرة الجنسية التي ينظرها المجتمع إلى المرأة طول الوقت هي سبب رفض المجتمع قيادة الفتاة للدراجة".
وعلى الرغم من إطلاق شيماء على دراجتها لقب "رفيقة الطريق"، فإنها لا تستخدمها في أثناء الذهاب للعمل يومياً، وعلَّلت شيماء هذا، قائلةً: "عملي بمنطقة شعبية تسمى أرض اللواء بمحافظة الجيزة، ووجود فتاة تقود دراجة بمنطقة شعبية ليس فقط غير مقبول وإنما يعرِّض حياتي للخطر؛ لذلك فضَّلت أن أذهب للعمل بوسائل مواصلات وأترك دراجتي بالمنزل".
الدراجة كنوع من المقاومة
إصرار المصريات على ركوب الدراجات واستخدامها في حياتهن اليومية نوع من أنواع مقاومة سيطرة المجتمع، وعلى المدى البعيد حتماً سيكون سبباً في تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة كما ترى شيماء، وتبدي فخرها بإقبال عدد كبير من الفتيات على تعلُّم ركوب الدراجة.
شيماء تقود أيضاً مبادرة خاصة بها من أجل تعليم الراغبات، واستطاعت تعليم ما يقرب من 300 فتاة، ولا توجد إحصائية حقيقية حول عدد الفتيات اللاتي يستخدمن الدراجات في حياتهن اليومية، لكن هناك العديد من المبادرات والمشروعات لتعليم الفتيات قيادة الدراجات.
مبادرة شيماء الصغيرة أطلقت عليها اسم"winact" اختصاراً لكلمة"women in action"، أعدتها خصيصاً بعد إقبال الفتيات على تعلُّم ركوب الدراجة.
شيماء تُعلِّم الفتيات ركوب الدراجة بمقابل مادي بسيط، وتوفر لهن الدراجة واللبس المناسب؛ حتى تستطيع الفتاه أن تقودها بمفردها.
ومؤخراً، بدأت بعض متاجر الدراجات تنظيم جولات بالدراجات في شوارع مصر، لتشارك فيها الفتيات اللاتي يخرجن في مجموعات كبيرة برفقة زملائهن من الشباب بمناطق مصر الجديدة والزمالك والمعادي والمهندسين وغيرها من الأحياء والمناطق الراقية في الجمهورية، في مشهد مشابه للماراثونات.
حتى حدود الأردن
اختيار المناطق الراقية للتجربة يأتي بهدف تقليل المضايقات والتعليقات التي تنتج عن استغراب الجمهور من مشهد الدراجات المتلاحقة التي يقودها كثير منها الفتيات في عمر الشباب.
شيماء صحبة "رفيقة طريقها" سافرت لعدد من المحافظات منها الفيوم والإسماعيلية، ولكن أكثر مغامراتها غرابة كانت مغامرة سفرها لمدينة نويبع بسيناء (أقصى شرقي مصر) مع عدد من الأصدقاء، بعدما قرر أحدهم السفر بالدراجة إلى روسيا لحضور مباريات كأس العالم، "قررنا السفر معه حتى حدود الأردن، وبالفعل أخبرنا وزارة الداخلية برحلتنا، والتي بدورها رافقتنا للتأمين منذ دخولنا سيناء حتى حدود الأردن بنويبع".
الرحلة استغرقت 6 أيام، وعن المصاعب التي واجهتهم في أثناء الرحلة، قالت إن أهم ما كان يواجههم من مصاعب هو توفير المياه وأماكن للطعام على مسافات بعيدة.
بلباسها الرياضي الأحمر، تعتمر عاشقة الدراجات خوذتها وتستعد لجولة أخرى، فاستخدام الدراجة يضمن فوائد كثيرة، ليس فقط للمرأة وإنما للمجتمع ككل. إلى جانب أنها رياضة مفيدة جداً، فإن استخدامها يقلل من زحام السيارات بالشوارع، بالإضافة إلى أنها غير مُضرَّة بالبيئة بدلاً من دخان السيارات الضار بصحة المواطنين، والبيئة.