كان أحمد وان (27 عاماً) يوزع على عدد من زميلاته أكياساً صغيرة مزركشة بنقوش إسلامية مطبوعاً عليها “رمضان كريم” وبداخلها بضع تمرات، حين سألناه عما يفعله أيضاً الماليزيون عادة في استقبال الشهر الفضيل فقال: “أعتقد أن هذه عادة مشتركة بين العديد من المجتمعات المسلمة حيث يذهب الجميع لبيت الوالدين لتناول طعام الإفطار معاً في أول أيام رمضان ثم الذهاب لصلاة التراويح بعد ذلك..
ولكن المختلف في كلانتان أن الناس لا يداومون على الصلاة في مسجد واحد خلال شهر رمضان.. بل يظلون ينتقلون من مسجد لآخر كل يوم بحثاً عن الأفضل خلال صلاة التراويح.. وغالباً ما يقضون الشهر كله كذلك..”
وتعريفاً للمسجد الأفضل يقول وان الذي يعمل معيداً بالجامعة الإسلامية بماليزيا “هو الذي لا يصلي إمامه بسرعة جداً ولا ببطء جداً.. ويكون صوته جميلاً في التلاوة”، مضيفاً “كذلك من عاداتنا أن يستعد الرجال لدخول رمضان بشراء جوبا وكوبيا جديدين ليرتدوهما عند الذهاب للمسجد..
والجوبا هي عباءة تشبه تلك المعروفة في العالم العربي ولكنها متنوعة الألوان، أما الكوبيا فهي طاقية ذات تصميم خاص تحمل نقوشاً إسلامية غالباً..
وان الذي نشأ على ذلك وهو يشاهد والده يفعل كل عام احتفاءً بقدوم رمضان، خاصة أنه يعمل “بلالاً”.
توقفنا قليلاً لنتأكد أننا سمعنا جملته الأخيرة بشكل صحيح “هل اسم والدك بلال أم .. يعمل بلالاً؟!… أجاب ضاحكاً “لقد سمعتني جيداً.. أبي يعمل بلالاً.. فنحن نسمي مهنة المؤذن في ماليزيا بلال”.
لا نطبخ في رمضان
فاجأتنا حسناء (42 عاماً) عندما أوضحت لنا تفاصيل جديدة عما ظننته من كلام “وان” عادة مشتركة بين الماليزيين وغيرهم، حيث يستضيف الوالدان أبناءهما وأحفادهما على مائدة الإفطار في أول أيام رمضان..
فقالت طالبة الدكتوراه الأربعينية المتزوجة وأم لطفلة في السابعة من عمرها إنها عادة لا تطبخ في رمضان وكذلك غالبية الماليزيات!!
“السوق الليلي هو الحل”، تابعت حسناء موضحة “لدينا أسواق مفتوحة ليلية أسبوعية في كل الأحياء، ولكنها في رمضان تصبح يومية، حيث تتوسع هذه الأسواق المفتوحة في بيع الأطعمة الجاهزة مثل ناسي كرابو وناسي آيام والذي غالباً ما نفضله لطعام السحور”.
سحور غير متوقع.. ولا تنس الـ“كراكه” والأرز الأزرق
يبدو أن مفاجآت حسناء لن تتوقف، فبعد أن أخبرتنا أن كل أفراد الأسرة يذهبون للسوق ويشترون ما يفضلون من وجبات جاهزة ثم يتجمعون فقط لتناولها وقت الإفطار في المنزل، حتى في حالة دعوة الأقارب أو الأصدقاء فإن المرأة الماليزية لا تقضي وقتها في المطبخ لإعداد ولائم متنوعة وإنما تكتفي بشراء الطعام الجاهز من السوق الليلي.
وبررت ذلك بالرغبة في التركيز على العمل والعبادة.
بعد كل ذلك كشفت أنهم يأكلون في السحور الأرز والدجاج غالباً والمعروف بـ”ناسي آيام” بحسب اللغة الماليزية.
أما “ناسي كرابو” والمفضل على مائدة الإفطار خاصة لأهل ولاية كالانتان الشهيرة – بحسب حسناء- فهو أرز أزرق اللون يضاف إليه قطع من الدجاج أو اللحم والكثير من الخضراوات المبشورة وخاصة الفلفل الحار المعروف بـ”تشيلي”، وعدة أنواع من الصلصة، مثل صلصة الفلفل الأسمر، فضلاً عن مقرمشات السمك والمعروفة باسم “كراكه”.
للنساء زيهن أيضاً
وإذا كان الرجال يستقبلون رمضان بالجوبا والكوبيا والتي يقدر سعرها – وفق وان- بنحو 100 رنجت ماليزي (26 دولاراً تقريباً)، فإن النساء كذلك يحرصن مع دخول رمضان على اقتناء زيهن الخاص بالصلاة والمعروف باسم “تيليكونج”.. ولكن كعادة النساء، فإن التيلكونج أغلى كثيراً من الجوبا.
شاه فيصل (20 عاماً) الذي يساعد والدته سالينا في متجرها لبيع ملابس المحجبات بإحدى المولات بالعاصمة الماليزية كوالالمبور أشار إلى أن سعر ذلك الـ”تيلكونج” الأبيض المكون من خمار وتنورة مطرزين بالخيوط والخرز سعره 299 رينجتاً (76 دولاراً).. موضحاً أن أقل الأسعار قد يصل إلى 69 رينجتاً (18 دولاراً تقريباً).
اسمي تان.. بوذية وأصوم رمضان
تان جانشانينغ (28 عاماً) لها قصة مختلفة تماماً، أصدقاؤها يدعونها “تان” لأنه أسهل، أمها بوذية ولكنها لا تعتبر نفسها كذلك رسمياً” بحسب ما ذكرته لـ “عربي بوست”.
تضيف “أنا لا أذهب للمعبد ولا أؤدي الصلوات البوذية، طبعاً إذا أتينا للأوراق الرسمية فإنني أكتب فيها أنني بوذية، ولكن لا أعتقد أنني أنتمي لدين محدد، ليس معنى ذلك أنني ملحدة أيضاً، ولكن تستطيعين القول أنني لم أحدد بعد”.
تستطرد تان موضحة “أنا أتعلم من الجميع، فأنا أتعلم في المنزل من أمي، وفي الجامعة أتعلم من صديقاتي المسلمات، وكذلك أتعلم من أصدقائي المسيحيين والهندوس خارج الجامعة، أي أنني أتعلم من الجميع ثم أتبع ما أجده جيداً من تعليمات هذه الأديان والمعتقدات جميعاً، التعليمات ربما ليست هي نفسها في كل الأديان ولكن على الأقل كلها تدور حول الأعمال الجيدة وتجنب السيئة، ولذا فإنني مازلت أستكشف”.
حياة تان في حد ذاتها تعتبر مفارقة، فهي تقريباً “البوذية” الوحيدة التي تدرس في الجامعة الإسلامية بماليزيا، وعن ذلك تقول “نعم الكثير يتعجبون ويسألونني حول ذلك.. وكيف أن قواعد الجامعة تلزمني بارتداء الحجاب.. لكن بالنسبة لي عندما التحقت بالجامعة فقد كنت أعلم أنه سيكون علي ارتداء الحجاب لكني لم أكن أعلم أن هذا يعني عدم ارتداء ملابس ضيقة أو قصيرة أيضاً وليس تغطية الشعر فقط..”.
“عندما ارتديت الحجاب لأول يوم لي في الجامعة ظلت أمي تنظر إليّ بتعجب فقد بدوت مختلفة تماماً عما اعتادت عليه.. ولكنني قلت لها إن هذا لا يعنيني.. فأنا هنا للدراسة وليس للإعلان عن انتماءاتي”.
تضيف “في رأيي أننا هنا في ماليزيا لدينا عرقيات متنوعة، فهناك الغالبية المالاي وهم مسلمون فمن الطبيعي جداً بالنسبة لنا كماليزيين من أعراق هندية أو صينية أن نسمع الأذان كل يوم وأن نرى المسلمين يصومون كل عام خلال رمضان، ولذا من الجيد أن نتعلم أكثر عن بعضنا البعض، ولقد تعلمت الكثير عن الإسلام هنا في الجامعة”.
وعن شعورها حين اضطرت لارتداء الحجاب للمرة الأولى تقول الفتاة ذات الملامح الصينية “لا أعتقد أنهم يجبروني على ارتداء الحجاب، فالأمر واضح تماماً بالنسبة لي، قد كان اختياري أن أدرس في جامعة إسلامية وأعرف أن لها قواعد محددة فيجب عليّ احترام هذه القواعد وتطبيقها”.
لماذا تصوم تان البوذية؟
قد يكون ارتداء الحجاب أحد شروط الدراسة بالجامعة الإسلامية.. ولكن لماذا تصوم تان رمضان؟.. تجيب طالبة الماجستير بقسم الإعلام قائلة: “هذا رابع رمضان لي في الجامعة، ولكن في العامين الأولين لم أكن مقيمة في السكن الطلابي.
تضيف “أما رمضان الماضي فكنت مقيمة بالجامعة حيث تغلق المطاعم داخلها في نهار رمضان، ومن الصعب بالنسبة لي أن أخرج لشراء الطعام.. ففكرت لماذا لا أصوم وأجرب ما تقوم به صديقاتي المسلمات، وبالفعل دعتني إحداهن للسحور ثم دعتني أخرى للإفطار حتى أفهم الأمر، ثم بدأت أمارسه وحدي خلال أيام وجودي في الجامعة، وأفطر خلال عطلة نهاية الأسبوع التي أقضيها في المنزل مع أمي، فهي لا تكون سعيدة عندما تراني صائمة..”.
“هذا العام أحاول أن أصوم رمضان كله، ولكن لو كنت في المنزل فلن أصوم، حيث أخبرتني صديقتي المسلمة أنني يجب ألا أغضب أمي، أما في الجامعة فإن الأمر مختلف، حيث تمثل مشاركة صديقاتي الصيام متعة بالنسبة لي، فعندما تكون وحدك المفطر وسط مجتمع كله صائم فلن تواتيك الرغبة في الطعام حتى ولو كنت جائعاً”.
تتابع “أنا أحب الطعام.. الطعام الجيد والكثير”.. تعترف تان مشيرة إلى كيف أثر فيها الصيام بقولها “الصيام يجعلنا نتعلم الصبر على الجوع.. فهذه تجربة حقاً مفيدة بالنسبة لي.. العام الماضي في أول يوم رمضان ذهبت للسوق الليلي واشتريت الكثير من الطعام والحلوى.. ولكني عند الإفطار لم آكل إلا القليل.. فتعلمت أن طبيعتنا كبشر لن تتغير بالصيام في مستوى الأكل.. وبالتالي أنا نفس الشخص وسآكل ذات كمية الطعام عند الإفطار، فلماذا أشتري الكثير من الأطعمة ولا آكل إلا القليل.. ومن ثم تعلمت أن أغير سلوكي المتعلق بإهدار أطعمة زائدة.. أعتقد أن الصيام حمية طبيعية ومفيد للصحة..”
تضحك تان وهي تنظر لإحدى صديقاتها “أحياناً يقوم أصدقائي المسلمين باختباري.. ويقدمون لي قالب شيكولاتة قائلين: لن تستطيعي الصبر حتى المغرب افطري الآن.. ولكنني أقول لهم: لا تحاولوا استدراجي لأخسر صيامي.. ونضحك جميعاً.. ولكنني غالباً ما أستيقظ متأخرة وأفقد وقت السحور..”