فرضت الظروف التي يمر بها اللاجئون العديد من التغيرات على حياتهم، أهمها أن الزواج من قاصر أو من رجل غني أو رجل معدد الزوجات أصبح الملاذ الأخير في مواجهة الظروف العسيرة. فقد فرضت هذه الظروف ما سُمي «استراتيجيات ناجحة» لمواجهة الحالة العصيبة التي يمر بها اللاجئون، ففرض على القاصرات الزواج، وعلى غيرهنّ الزواج عرفياً، من رجل ثري تتيقن في الغالب العروس وذووها أنه سيتركها بما «حملت» بعد أيام، لكن المبالغ التي يُسمعها لهم «سماسرة الزواج» مغرية.
أما في ألمانيا فالوضع مغاير تماماً لتقاليد الزواج
عندما كنت أسمع أغنية الفنانة الراحلة صباح (على البساطة البساطة) كان ينتابني إحساس بأن الحب هو كل شيء في الحياة، لكن اليوم بعد مرور الحرب في بلدي وتهديم الإنسان قبل الأوطان فقد تغيرت المفاهيم لدى الفتيات وحتى الرجال.
هنا في ألمانيا كل شيء مغاير تماماً في هذا البلد للمرأة حرية كاملة وأحياناً قد تتعدى حرية الرجل، تبدأ الحرب العلنية بين الرجل والمرأة، وبين الكرامة والوحدة، والحب والنقود، هنا كل شيء اكتسباه في بلادنا العربية من مفاهيم وتقاليد قد تبخرت في هذا البلد.
اللاجئ السوري الذي ينتظر لمّ شمله ينتظر الأمل من عيون أولاده أو امرأته التي هجرها مُكرهاً بسبب الحرب، ذلك الشاب الذي حزم أمتعته وحلم بالأمن والأمان والسلام وقرر المضي برحلته فراداً وبعد أن يصل الى بر الأمان يجلب زوجته وأولاده، لكن الوضع ليس كما حلم، الوقت والروتين كفيلان بأن يقتلوا أحلامه، لمّ الشمل لن يحدث بين ليلة وضحاها، هنا البيروقراطية وهنا الألم.
أقرّت ألمانيا قوانين جديدة بأن تطول مدة لمّ الشمل، بل أوقفتها لمن يملك حماية مؤقتة في هذا البلد، ما دعا كثيراً من الشباب إلى مغادرة البلاد والعودة إلى الحرب، فلا سلام دون عائلته، ولا أمان إلا وأولاده في حضنه.
أما الشاب الأعزب فقد قرر عدم الزواج من بلده؛ لكثرة الإجراءات التي ينبغي أن يقوم بها ومدة انتظار قد تتعدى 5 سنوات أو أكثر لأن هناك شروطاً كثيرة، أولها أن يتقن اللغة الألمانية، وأن يملك عملاً بعقد مفتوح ومبلغ قد يتخطى ١٨٠٠ يورو ومنزل يسكن به، هذه الشروط كفيلة بأن تجعله عانساً مدة الحياة.
اللاجئ السوري الأعزب هرب من (الدلف إلى المزراب) كما يقول المثل العربي، رحلة البحث عن فتاة عربية في هذا البلد صعبة جداً لعدة أسباب أولاها.
لأن المرأة العربية بدأت تفكر بالرفاهية أكثر، حيث بدأت المهر بالارتفاع والطلبات أصبحت شبه مستحيلة منها مقدم المهر يتجاوز عشرات الآلاف من اليورو، ناهيك عن طلبها السكن في منطقة غالية جداً، وهناك بعض الآباء قد يطلبون تكلفة سفر ابنتهما من سوريا إلى ألمانيا والحسبة طبعاً باليورو.
والمتزوجون كان لديهم الحظ الأوفر في المعاناة.
تقول إحدى اللاجئات، وهي سورية وصلت إلى ألمانيا منذ عامين، وأول ما قدّمت طلب اللجوء في ألمانيا سألنها المحقق الذي قابلته على انفراد إن كان زوجها يضربها، أو إن كانت تعاني من أي مشاكل معه إذا أردات البوح بها، مع إعطائها الأمان بالسرية المطلقة.
تقول: «أعطوني حساباً في البنك مستقلاً عن حساب زوجي، فشعرت باستقلاليتي المادية، إضافة إلى رؤيتي لحياة هنا وكيف يعاون الرجل زوجته بكل مسؤوليات الحياة والأطفال والبيت، جعلني أكثر جرأة على محاسبة زوجي وتكليفه بمسؤوليات أكبر، وهذا ما خلق نوعاً من المشاكل بيننا»،
ترى السيدة أن الدولة تشجع المرأة على الطلاق إن كانت تملك الرغبة بذلك، وتعتبر أن حالات الطلاق انتشرت بشكل كبير في المجتمع السوري بعد اللجوء، لا سيما من النساء الصغيرات في السن، وتوضح: «حصلت الكثير من المشاكل وصلت حدّ الفضائح والصراخ في الكامبات أو الأبنية السكنية، وأدت إلى تدخل الشرطة، وغالبيتها من نساء غير واعيات، وجدن بالدولة أو مكتب «السوسيال» حامياً ومناصراً لهن».
ومؤسسة «السوسيال» معنيّة بالأشخاص غير القادرين على العمل، وتقدم المساعدة المادية لهم وتصرف بدل لباس سنوي، بالإضافة إلى تأمين سكن ومساعدات عينية أخرى، وتتدخل مكاتبه لحماية الأطفال، ما يعتبره كثير من اللاجئين يصل حدّ الإزعاج.
تقلّ حالات الطلاق عند النساء الأكثر وعياً، بحسب تعبيرها لاسيما إن تدخل أطراف كبار في السن لحل الخلاف وتهدئة الطرفين، وترى أن وجود الأطفال يعتبر عاملاً أساسياً بامتناع الزوجين عن الإقبال على الطلاق.
وتضيف: «تستطيع المرأة منذ وصولها المكوث في (كامب) منفصل خصصته الدولة للنساء الراغبات في الانفصال عن أزواجهن.. كما أن مكتب (السوسيال) يشجع المرأة لاسيما إن كان أطفالها يعانون من المشاكل الزوجية، ويعدها بتأمين منزل لها بعيداً عن زوجها».
«راحة نفسية» بعد الطلاق
بعض النساء تعتبر الطلاق راحة نفسية، إن معظم من يقدمن على الطلاق من النساء كُنّ غير مرتاحات مع أزواجهن في سوريا، لكن المجتمع ونظرته، وكلمة «مطلقة» التي كانت تلاحق المرأة السورية، هو ما كان يمنعهن عنه.
ومنهم من كانت قد فكرت بالانفصال منذ أن كانت في سوريا، ولا تدري إن كانت قد تقدم عليه في سوريا، فكلام المجتمع وإعالة نفسها بعد الطلاق كان عائقاً كبيراً بالنسبة لكثير من الفتيات.. هنا في أوروبا لم يعد هناك وجود لكلام الناس، وقيود المجتمع، كما أن الدولة أمّنت لكثير منهن بيتاً وراتباً مستقلين، وهذه الأمور شجعت الكثير على اتخاذ مثل هذا القرار المصيري».
فإن الكثير من النساء اللاتي سمعوا بقصص الطلاق، كانت تمنعهن نفس العوائق التي تحررن منها في بلاد اللجوء، أن أكثر حالات الطلاق كانت بطلب المرأة، لأنها ترى أنه من الصعب «أن يتخلى رجل عن زوجته وأولاده، أو يرميهم لمصيرهم».
ألمانيا تشدد قوانينها.. والزواج في المساجد
لم يأتِ إعلان وزير العدل الألماني هيكو ماس حول العمل على تشديد القوانين ضد زواج القاصرين بين اللاجئين الوافدين من فراغ، فوفقاً لليونيسف، فإن زواج القاصرين تحت سن 18 سنة يشكِّل 40% من الزيجات في ألمانيا. كما يظهر تقرير منظمة «أنقذوا الأطفال» أن زواج الأطفال شائع نسبياً في ألمانيا بسبب موجة اللاجئين التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.