شددت الرحال في عطلة الاسبوع المنصرم إلى شمال مقاطعة كيبيك، إلى منطقة ساغنيه لاك سان-جانSaguenay-Lac-St-Jean تحديدا لأعرّج على عدد من بلداتها وقراها النائية. وفي محطة أولى زرت حديقة الحيوانات البرّية، Zoo Sauvage في مدينة سان-فيليسيان Saint-Felicien. محميّة شاسعة يعيش فيها عدد من الحيوانات البرّية الكندية كما فيها عدد من الجمال العربية التي تعيش في درجات حرارة تتعدى الأربعين درجة مئوية فوق الصفر تماما كما تتحمل الأربعين درجة تحت الصفر. وتفتح هذه الحديقة أبوابها للزوار على مدار العام وتحمل روادها على متن قطار يجوب بهم في أرجاء الحديقة حيث يشاهدون بأم العين الدب الكندي الأسود والدب القطبي الأبيض والغزلان البرّية والأيل والنمور وغيرها من الحيوانات البرية. في هذه المحمية أيضا نقل لحياة المزارعين والحطابين في كيبيك منذ العصور القديمة وكيفية مجابهتهم لتحديّات الطقس البارد والثلوج والعواصف الجليدية.
وعلى بعد نحو 85 كلم من سان-فيليسيان تقع مدينة ألما Alma وهي ثاني أكبر مدينة في المنطقة بعد مدينة ساغنيه بتعداد سكاني يصل إلى أكثر من 31 ألف نسمة. وقد بنيت المدينة على طول نهر سان-جان بمشاهد طبيعية خلابة لمن يرتادها في هذا الوقت من الصيف الدافىء. لقد وقعت تحت وطأة سحر ألما وعشقتها من الزيارة الأولى. مدينة Alma اسم على مسمى إذ تحمل هذه المدينة لقبا يصفها تماما هو:"مدينة الضيافة" إذ يتميّز أهلها بحسن استقبالهم وحفاوتهم بالغريب. في ألما أمضيت الليلة الأولى في نزهتي في مساكن تديرها بلدية ألما وهي مشاريع سكنية وشاليهات سياحية توّفر للمصيّف كل احتياجاته ولمحبي الطبيعة في شكل خاص والمخيمات الصيفية، يوّفر لهم مشروع دام-أون-تير Dam-En-Terre كل ما يحتاجونه لإجازة بنكهة الطبيعة الخام الساحرة.
أما في الليلة الثانية في رحلتي فقصدت بلدة شامبور النائية Chambord التي كانت تعّج بعشاق مهرجانات رعاة البقر حيث تشهد هذه البلدة في مثل هذا الوقت من كل عام مهرجان شامبور لرعاة البقر Festival Du Cowboy الذي يتأهل فيه الفرسان لأكبر مهرجان لرعاة البقر في مقاطعة كيبيك وهومهرجان مدينة سان-تيت St-Tite الذي ينظم في شهر أيلول/سبتمبر من كل عام.
عمّت في هذه البلدة أجواء البهجة والفرح وفي الفضاء الخارجي لكنيسة البلدة استقبلت القرية التي لا يتعدى عدد سكانها 2000 نسمة أكثر من 30 ألفا من الزوار الذين أتوا من المناطق المجاورة وغيرها للمشاركة في مهرجانها الذي يأتي في المرتبة الثانية في مهرجانات رعاة البقر في مقاطعة كيبيك من حيث الأهمية. أما عن القداس لأبناء القرية المتمسكين بإيمانهم وتعاليمهم وتقاليدهم المسيحية فكان بنكهة موسيقى الكونتري الريفية التي يشتهر بها رعاة البقر.
إلى اليوم لم أكن قد شاهدت عروض الروديو إلا على شاشة التلفاز وقد ظننت أن عهدها قد انتهى مع تكاثر حملات المدافعين عن حقوق الحيوان المنددين بوحشية هذه الرياضة بحق الحيوانات. علما أن هذه الرياضة أيضا تشكّل خطرا على أرواح الأشخاص الذين يشاركون فيها.
ولكن طيلة يوم أمس الأحد وسط حرّ خانق، إذ وصلت درجات الحرارة مع عامل الرطوبة في ساحة الروديو إلى كثر من 35 درجة مئوية، استمتعت بتلك العروض وكان وقتا طيبا استسلمت فيه لمغامرة غير مسبوقة في حياتي الشخصية والمهنية. ولعل أكثر ما أحببته في مهرجان شامبور هو سلام أهلها واندماجهم وفخرهم وهدفهم الموّحد وهو إشهار مهرجان بلدتهم والمحافظة على هذا التراث من جيل إلى جيل. لذلك تجد جميع أبناء القرية متطوعين في هذا المهرجان من صغيرهم إلى كبيرهم وهم يشاركون أيضا في عروض الروديو وقد لفتت انتباهي مشاركة أطفال دون الثالثة عشرة من العمر في ترويض الخيول الوحشية وحتى في ركوب الثيران الهائجة.
أبرزَ المتبارون في روديو مهرجان رعاة البقر في شامبور أمس مهاراتهم الفنية في ركوب الحيوانات الجامحة والهائجة وسط تصفيق الحضور الحار والذي كان يتجاوز عدده في ساحة المهرجان ككل حسب ما أكد لي مدير المهرجان الشاب ويليام لاروش William Laroche الثلاثين ألف زائر.
لا تمّل في مشاهدة عروض الروديو لأن أطول جولة على الحلبة لا تتعدى ال 10 ثوان وقد يسقط الفارس أرضا بعد 3 ثوان على امتطاء الحصان الجامح أو الثور الهائج. هذا وفي كل وقت الروديو كان الخيّالة في الجيش الكندي يحرسون الحلبة ويساعدون المتبارين على التحكّم عند اللزوم في الخيل والبقر البرّية.
يخبرني مدير المهرجان ويليام لاروش في حديث أجريته معه أمام حلبة الروديو أمس قبل وقت قليل من بدء المبارزات، عن عشق أهل بلدته وغالبيتهم من رعاة البقر ومربي الماشية، للطبيعة وللحيوان. ويقص محدثي كيف كان رعاة البقر في بلدته يلتفون معا بعد أخذهم ماشيتهم للمرعى وكيف كانوا يتسابقون في إظهار مهاراتهم في ركوب الخيل الجامحة وفي ربط العجول البرّية. ومع الوقت تحولّت هذه الممارسة إلى احتراف لينطلق رسميا مهرجان رعاة البقر في بلدة شامبور قبل 26 عاما.
تستمعون تاليا إلى المقابلة التي أجريتها مع ويليام لاروش وأنقل خلالها أجواء مهرجان بلدة شامبور النائية البعيدة!