تفتقر كتب التاريخ العربية إلى العديد من الحقائق التي تتحدث عن البطولات والإنجازات الأمازيغية، فقلَّما نجد كتاباً في المناهج التعليمية العربية يتحدث عن التاريخ أو الثقافة الأمازيغية باعتبارها جزءاً من الوطن العربي، عكس المؤرخين الأوروبيين الذين ألَّفوا عدداً لا بأس به من الكتب، وقدموا أبحاثاً علميةً وأنثروبولوجية، وحتى جِينية تطرقت إلى أصول هذه الشعوب، التي أسهمت في صناعة الحضارة الإنسانية بشمال إفريقيا ومنطقة المتوسط، في الوقت الذي اقتصرت فيه الأبحاث العربية على دراسة أصول اللغة الأمازيغية التي اعتبروها واحدة من اللغات الحِمْيرية اليمنية، في حين ركز باحثون آخرون فقط على الفتوحات الإسلامية في بلاد المغرب العربي، وعلى فتح الأندلس.
الغريب في الأمر أنه تم إقصاء الدور الذي لعبه الأمازيغ في تلك الفتوحات، فنجد الأغلبية العظمى من المؤلفات تتحدث عن الفتح الإسلامي، أو الفتح العربي للأندلس، رغم أن الأندلس فُتحت بجيوش أمازيغية، فقد كان العرب حينها يشكلون نسبة لا تكاد تذكَر في المنطقة.
سيهاجمني البعض بالقول إنني أنتقد العروبة، باعتبار أن العِرق العربي فوق النقد، وهنا من الضروري أن أوضح وأستشهد بحملات الدولة العثمانية في أوروبا، عندما كان يُستعمل مصطلح «الدولة أو الخلافة العثمانية» بدلاً عن مصطلح الخلافة الإسلامية فقط، وذلك في كل الحروب العثمانية التي وصلت إلى قلب أوروبا، كما لا يمكننا أن ننكر أن المسلمين بعد دخولهم بلاد الشام أسسوا دولةً وخلافةً إسلامية نُسبت إلى بني أمية، وسميت «الخلافة أو الدولة الأموية»، وكذلك العباسية ودولة المماليك وغيرهم، إذاً الأجدر أن يصحح التاريخ العربي مصطلح «خلافة الأمويين في الأندلس» إلى «الخلافة الأمازيغية الإسلامية في الأندلس».. فلولا طارق بن زياد ما استطاع موسى بن نصير العبور إلى إسبانيا، ولم يكن لعبد الرحمن الداخل (الأموي القرشي) أن يصل إلى حدود شبه جزيرة أيبيريا لولا سواعد أخواله الأمازيغ، الذين ناصروه وأوصلوه إلى سدة الحكم؛ ليسهموا لاحقاً في تأسيس أهم دولة إسلامية بذلك العصر «دولة الأندلس»، التي أثْرت الحضارة الإسلامية بالفن والموسيقى والأدب والعلوم والطب والفلسفة، فأصبحت قرطبة، وغرناطة، وإشبيلية قِبلة العلم والعلماء قروناً عديدة، قبل أن تنهش الصراعات التي دارت بين الحكام الأمويين أولاً ثم بين ملوك الطوائف لاحقاً (عرباً وأمازيغ) الذين أضعفوا قواعد وهَيبة الدولة حتى أعادها الأمازيغ مرة أخرى إلى المجد، على يد العظيم يوسف بن تاشفين، الذي اجتث معاقل الفساد في الدولة التي سادها الترف والفساد والانحلال العقائدي والأخلاقي على يد الأمويين، الذين أضاعوا قبلها دمشق للأسباب نفسها.
لعل التاريخ ينكر أيضاً أن دولة الأندلس صمدت 8 قرون بفضل الدعم العسكري الدائم الذي قدمه ملوك الحفصيين وملوك بني مرين الأمازيغ لولاة غرناطة وحكامها وغيرهم ممن أَلْهَتهم سفاسف الأمور عن إدارة الدولة والدفاع عنها.
لو تحدثنا قليلاً عن أصول الأمازيغ فسنجد الاختلاف واضحاً بين آراء العلماء والباحثين، فهناك مجموعة يعتقدون أن الأمازيغ من أصول مشرقية عربية حميرية، هاجروا بسبب الجفاف، وتغير المناخ، وكثرة الحروب إلى شمال إفريقيا، من اليمن، وهناك آخرون ممن يقول بالأصل الحامي للبربر، بمعنى أن البربر من أبناء حام بن نوح عليه السلام، وهناك من أكد الأصل الإفريقي؛ لوجود شبه كبير بين اللغات الأمازيغية وبعض اللغات الإفريقية، مثل: الكوشيتية، والمصرية القديمة، في حين يرى باحثون أوروبيون أن البربر أتوا من الهند، فاستقروا في أوروبا، وهم من أولاد يافث بن نوح عليه السلام، لكن هناك من العلماء ممن أكدوا أن العِرق الأمازيغي ليس سوى عِرق إفريقي محلي لا علاقة له جغرافياً أو جينياً بأي وجود إنساني آخر في العالم.
كل هذه التفاصيل ليست مهمة بقدر الإنجازات والتاريخ العظيم الذي حمل لقرون، أسماء شخصيات أمازيغية عظيمة تركت بصمات لا يعرفها الأغلبية العظمى من العرب: ابن البيطار، وابن رشد، والفيلسوف العظيم ابن خلدون، وعباس بن فرناس، وابن بطوطة، وطارق بن زياد، والقديس أوغسطينوس، وغيرهم ممن لن يتسنى لنا ذكر أعمالهم العظيمة، كل على حدة، وعظماء آخرين كالملك يوبا الثاني؛ وماسينيسا وابنه يوغرطة الذي عرض روما القيصرية للبيع بعد أن ألحق بأعظم جيش في العالم آنذاك أبشع الهزائم؛ والملكة ديهيا وكسيلة اللذين حاربا الفتح العربي الإسلامي بهدف حماية الأرض والعرض ولم يكونا يوماً ضد الإسلام، والدليل أن أبناء ديهيا أو الكاهنة اعتنقوا الإسلام بتوصية منها مباشرة بعد وفاتها؛ والعظيم حنبعل القرطاجي البونيقي الذي دخل بجيوشٍ جرارةٍ إلى قلب روما؛ والملك شيشناق الذي حكم مصر قرنين من الزمن، والقائمة طويلة جداً.
المخجل في الأمر أن المؤرخين العرب أنصفوا ودوَّنوا أمجاد الدولة الأموية والعباسية والأيوبية وصولاً إلى المماليك، كما تطرق عدد كبير منهم إلى الدور الذي مارسته الدولة العثمانية، وصولاً إلى تفاصيل اللحظات الأخيرة في حكم آخر خليفة عثماني؛ حيث تناولت كتب التاريخ في أغلب المناهج العربية فصولاً كاملة تتحدث عن انهيار الخلافة العثمانية، في المقابل قلَّما نجد كتاباً مدرسياً تطرق إلى التاريخ الإسلامي بالمغرب الكبير، أو إلى الدور الذي قام به الأمازيغ في نشر الإسلام، أو حتى إلى الأمجاد والانتصارات التي قام بها الأمازيغ في حروبهم الشرسة ضد أقوى جيوش التاريخ وأكثرها رعباً في فترات متفرقة، إلا ما ندر.
ربما لا تزال العقلية العربية تحكمها النزعة القبلية التي لا تعترف بغيرها، وهذا وارد، لكن التاريخ لا يحابي، ولا ينكر صنيع البشر، مهما كانت إسهاماتهم في تاريخ البشرية.