اختيار الأنشودة نموذجاً للمهارات اللغوية في دروس العربية للناطقين بغيرها    بقلم د. يحيى الخراط

Enhancing Language Skills by Studying Songs for Students Learning Arabic as a Second Language

يسعى علماء التربية في تنويع المهارات اللغوية التي يستخدمها المدرس في أثناء نهوضه في تعليم العربية لغير الناطقين بها؛ وذلك لأن الاعتماد على تلقين قواعد العربية من خلال السرد الجاف من دون إثارة الطلبة وتوجيه اهتمامهم، يقلّل الثمار المرجوة، والتفاعل المنشود. وتأتي الأنشودة في قائمة المهارات اللغوية التي يحرص المدرس على اختيارها.

ولا يخفى على أحد أن تعليم الأناشيد من أصعب المهارات لدى متعلم اللغة الثانية ومعلِّمها معاً، وتكمن الصعوبة على الطالب في أنها نشاط مركب من عدة مهارات تقتضي فهم المحتوى وتحليله لغوياً من استماع ومحادثة وقراءة وكتابة، بالإضافة إلى أهمية الجانب الموسيقي الذي يمنح الأنشودة طابعاً محبباً لدى المتلقّي، وهذا يدفعه إلى تردادها وحفظها، ونشير كذلك إلى الثقافة والقيم الموجودة في اللغة الهدف. أما صعوبتها على المدرِّس فلأنها مهارة لم تأخذ حظها من كتب تعليم العربية للناطقين بغيرها، ففي هذه الكتب قلّما نجد كتاباً يناقش الأناشيد، لهذا يحتاج المدرِّس لجهود مركزة في البحث ليجد أناشيد مناسبة للمستوى الذي يدرّسه.

وأريد أن ألقي الضوء على كيفية إعداد درس عملي يتضمن المهارات اللغوية التي يراد تعلِّمها من خلال الأناشيد للناطقين بغير العربية. ويهدف هذا الدرس على:

1- اختيار الأنشودة، ويشترط فيها أن تكون مناسبة للمستوى الذي يريد المدرِّس تدريسه، وأن تكون الأنشودة قصيرة لا تزيد عن بضعة أسطر، وتكون لغتها مبسطة وسهلة، وتكون كذلك مستوحاة من ثقافة البيئة والمجتمع.

2- تحسين المهارات اللغوية (الاستماع، المحادثة، القراءة، الكتابة) من خلال نشيد هادف يحوي قواعد مذكورة في الوحدة المدروسة من أهداف وأفكار ليحفظها الطالب ويرددها فتزيد من مهاراته اللغوية، وتشعره بجمال اللغة الهدف، وضرورة تعلِّمها وتذوق ثقافتها.

النقاط التي ستقدَّم وتناقَش من خلال الأنشودة، وتمر بالمراحل التالية:

أ. مرحلة ما قبل الاستماع: وهو نشاط موجّه يقصد به تـهيئة الطلاب لنص الأنشودة من خلال الحديث المشترك عن مضمونها، ورغبة النفس في ترداد الأشياء المـحببة إليها.

ب. مرحلة الاستماع: وتشمل هذه المرحلة النشاطات التي يقوم بها الطالب أثناء استماعه للأنشودة، لفهم كلماتها الأساسية وفكرتها الرئيسة. ويكون التركيز هنا على معاتي الأنشودة واتقان جانبها الأدائي الموسيقي.

ج. مرحلة ما بعد الاستماع: في هذه المرحلة يتخذ المدرِّس اتجاهين:

الاتجاه الأول: أنشطة لقياس فهم المتعلم للأنشودة، مثل الإجابة عن الأسئلة ومناقشة أبياتها، والاستماع المباشر منهم لكيفية أدائها.

الاتجاه الثاني: الانتقال إلى المهمة التعليمية من حيث تلخيص الأنشودة شفوياً وتحريرياً، وتبادل الأدوار بين الطلاب حول موضوع الأنشودة. وهو بهذا ينتقل من مهارة الاستماع للأنشودة إلى مهارة الإنتاج اللغوي لها.

نموذج للأنشودة المراد تدريسها:

أولا: مرحلة ما قبل الاستماع:

ينبغي للمدرِّس أن يحفِّز طلابه على إجابة الأسئلة التي يطرحها ليصل إلى النجاح في تعليم المهارات اللغوية المطلوب تدريسها. فقبل عرض الأنشودة على الطلاب يسألهم المدرِّس عن الموضوع الذي يريد طرحه في الدرس، وعن معنى بعض الكلمات المذكورة في الأنشودة؛ لتهيئة الطلاب واستثارة أذهانهم، مثل: هل لديك جار؟ كيف تتعامل معه؟ هل قمت بزيارته؟ ... ما معنى الكلمات التالية: دار، ألقى، تقدير...؟ ما مرادف الكلمات التالية: (أُحبُّ، ألقاهُ، أهديه...)؟ وبعد ذلك يُظهر المدرّس الأنشودة على السبورة من خلال الحاسوب.

نصُّ الأنشودة:

الجار العزيز

أنا أحب جاري فداره كداري

ألقاه بالسرور والحب والتقدير

أهديه من طعامي في أكثر الأيام

إن غاب عني زرته عن حاله سألته

أولاده إخواني نعيش في أمان

ثانيا: مرحلة أثناء الاستماع:

يقرأ المعلِّم النشيدة قراءة بطيئة لينبه الطلاب على النطق السليم، ثم يناقشهم في فهمهما، ويعطيهم فكرة عامة عن المعنى العام لها، ويثير محادثات جماعية عن موضوع الأنشودة، مثل: اشرح مجالات التعامل الحسن مع أولاد الجيران. ثم يقرأ المعلِّم مرة ثانية النشيدة قراءة مُنغَّمة أمام الطلاب، ويطلب منهم الترديد خلفه.

القواعد التي يريد المدرّس مناقشتها من خلال الأنشودة تتضمن النقاط التالية:

1- التمييز بين اللام الشمسية (التَّقدير)، والقمرية (الحُب).

2- التمييز بين همزة الوصل (السرور)، وهمزة القطع (أمان).

3- الفرق بين الأفعال الماضية (غاب)، والمضارعة (نعيش).

4- ضمائر الرفع المنفصلة وتصريف الأفعال معها (أنا أحب، نحن نحب).

5- ضمائر الملك (جاري، جارنا).

6- حرف الجر واسم المجرور (بالسرور).

7- المبتدأ والخبر (أولاده إخواني).

8- تـماثل حرف نهاية كل شطر من الأنشودة مع نهاية الشطر الذي يليه.

9- إظهار الإعجاب بالثقافة العربية وسلوكياتها الحسنة.

ثالثا: مرحلة ما بعد الاستماع:

وبعد الانتهاء من المرحلة الشفوية في مناقشة الأنشودة والقواعد المطلوب إتقانها ينتقل المدرِّس إلى مرحلة توظيف ما تعلَّمه الطالب من أشياء جديدة في التركيز على المهارة الكتابية، فالكتابة ترسخ المعلومة التي اكتسبها الطالب من خلال المناقشة وتثبتها في الذهن. وعندما يرى الطالب أن حصيلته اللغوية أصبحت جيدة يشعر بالثقة في نفسه تشجعه على تعلَّم مهارات وقواعد أُخرى في كل أنشودة من خلال مراجعة لما سبق من الأناشيد وتمهيد لما سيأتي لاحقاً، مع تذوق لثقافة اللغة الهدف وتقاليدها وعاداتها.

وأخيراً يُـمكن استثمار الأنشودة لطلب حفظها وإنشادها بطريقة محببة، ثم كتابة موضوع إنشائي حول فكرتها، والإجابة على تمارين قواعدية تعزِّز ما تـمَّ شرحه في الأنشودة. ويمكن أيضاً أن يكلّف المدرِّس الطلاب باختيار أنشودة ثانية ليقوم بتحليلها والإفادة منها في سياق المهارات اللغوية والقواعد التي يُراد تعلمها في دروس لاحقة.

 

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً