ها انا ذا أبحث عن نفسي من جديد. كندا، البلدُ الجميلُ الذي قدمتُ إليه وقد أودعتُ كلّ آهاتي وآلامي في حقيبة الذكريات القديمة التي حاولتُ رميها بعيداً. هنا بدأتُ من جديد، او على الاقل حاولتُ.

هنا، تحاولُ جاهداً ترميمَ داخلكَ المهجور، تحاولُ أنْ تضيءَ جميعَ الارجاء المُعتمة في داخلك، أنْ تسلطَ الضوءَ من جديد على مناطقَ في أعماقك لم ترَهَا الشمسُ منذ زمنٍ بعيد، مناطقَ نال منها الحزن اكثرَ ممّا نالتْ منها السنون... هنا تحاولُ أنْ تداوي جراحاتك وانكساراتك، أنْ تسمحَ لانتصاراتك أنْ تحيا من جديد، تحاولُ أنْ تحبَّ نفسَكَ بكلّ أخطائها، أنْ تكون مديناً لجميع اخطائك التي شكَّلتكَ وجعلتك على ما انتَ عليّه اليوم، هنا، تتعلم أنْ تُحبَ النهاياتِ على آلامها لأنّك تعلم تماماً انّها تحملُ معها بدايات جديدة.

هنا، تثبتُ لنفسك كلّ يوم بأنّك أقوى بكثير ممّا كنتَ تتخيل، تتساءل من أين تأتي بتلك القوة التي تجعلك تستيقظُ في كلّ صباحً لتكمل الطريق الذي لا ترى نهايته. من أين يأتي ذلك الأمل الذي يجتاحك كلَّما فتحت عيناك صباحاً بأنّ اليوم وغداً وكلَّ يوم سيكون أفضل. الحقيقة أنّك لا تحاولُ عبثاً ولا تتأملُ عبثاً، فهنا، تتحدثُ كفاءاتك عنك، لا عرقُك ولا دينك، ولا حتى من تعرفهم من ذوي الايدي الطائلة، لا شيء يشفعُ لك في أنْ تجد عملاً أو أنْ تكونَ شخصاً ناجحاً، هنا وهنا فقط، أنت شخصٌ مستقلٌ تماماً وحرٌ تماماً.

ولكنّك، هنا أيضاً، تعيشُ تناقضاتِ المشاعر بكلّ تجلياتها، ، فجأةً، ستشتاق لنفسك القدديمة التي تكاد تنساها، للأزقة الضيّقة التي كنتَ ترتادها ليلا دون أنْ تنتبه لرائحة الياسمين، لحكاياتِ العشق المخطوطة على الجدران، لأبطالها العاشقون الخفيون المكتفون برسم قلوبهم وخط أولى حروف اسمائهم علّها تلقى صدىً لدى المحبين، للمقاهي والصحاب، لأولئك المستعدين لسماع همومك بلا ملل أو كلل، وللأكتاف التي كنت تستند اليها، أنّما شئت، دون أنْ تنتبه إلى حجم الراحة التي تهديها إليك، هكذا بلا مقابل. ستشتاقُ كثيراً لطقوس القهوة الصباحية وجمعات العائلة ولكنّك غالباً ما تخجل من نفسك عندما تتذكرُ أنّ كلّ هذه التفاصيل

الصغيرة، التي لم تكنْ تلحظها، قد منحتك جزءا من السعادة ولكنّها لم تهدي إليك الأمان.

وقد تعدل عن هذه المشاعر سريعاً حينما تتذكّر أنّ الكثيرين، مثلك، لا يزالون ينتظرون على طوابير الهجرة، تماماً كما انتظرت، حاملين معهم أحلامهم وأمالهم، هم أيضاً يريدون حزم أحزانهم وآلامهم ورميها بعيدا والبدء من جديد، ولكنّهم في الحقيقة لا يعلمون أنّ لا اكسير سعادة أبديّ يُباع هنا ولا ترياقَ للآلام .. فنجاحك مرتبطٌ بمجهودك المستمر، امّا السعادة ليست مرتبطة بمكان، وإنّما هيّ مسؤوليتك أنت، أنت وحدك.

هند سلامة

 

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً