عزيزي القارئ  الكل يعرف ان مسيرة الحياة تتطلب منا ان نسير في طريق بها الكثير من التعرجات .. من الارتفاعات والانخفاضات .. من لحظات السعادة ولحظات الإحباط  .. الكل يعرف هذا فهذه سنة الحياة ولن تجد لسنة الحياة تبديلا .

المشكلة هو اننا وحينما نصاب بخيبة امل نسكن داخل كهف الإحباط وتسيطر علينا حالة الانكسار  ومن ثم نشعر وكأن الدنيا اظلمت في وجوهنا  ومن ثم نأخذ في جلد ذاتنا  وتكبير اخطائنا  و نقوم بلوم الاخرين  وانهم دائما هم السعداء  المحظوظين ونحن البؤساء المحسودين !! .. وفي غمرة هذا التخبط  ننسى ايماننا و نتشكك في مشيئة الله لنا  وننسى ان ما كتبه الله لنا سوف نحصل عليه مهما وقف الاخرون في وجهنا وان ما لم يكتبه الله لنا لن نحصل عليه مهما كان سهلا متاحا  البعض قد يطلق على هذا نصيب الاخر يقول انه الحظ  .. انا لا اريد ان اختلف في التسمية ولكن النتيجة واحدة  ما كتبه الله لك ستناله وهنا يحضرني قول رسولنا الكريم الى ابن عباس  ""... واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك،رفعت الأقلام وجفت الصحف"

تحت هذه المقدمة اود ان اذكر بعض القصص الشخصية الحقيقية  والتي حدثت لى شخصيا  خلال مسيرتي الطويلة في الحياة  وأكرر بانها قصص حقيقية صادقة  انا كنت بطلها وقد يكون شهود هذه القصص لا زالوا على قيد الحياة  وربما ارمز اليهم بالحروف الأولى من أسمائهم ضمانا للخصوصية

كل ما اتمناه عزيزي القارئان تقرأ هذه القصص بتمعن وتمحيص لتخرج من القصة بالمعنى والحكمة من ورائها  ومن ثم تكون قد اضفت لخبرتك خبرة جديدة اكتسبتها  بالاطلاع عليها من صاحبها الأصلي

 

­­ الحلقة 5  لا بد من صنعاء وان طال السفر 

تحدثت في الحلقة السابقة رقم 4 عن الازعاجات او المنغصات التي ظهرت لي بعد ان مارست العمل كخبير او باحث اول في معهد الكويت للأبحاث العلمية  هذا المعهد الراقى والمرموق السمعة إلا اننى اكتشفت بانه لم يكن مناسبا  تماما لى كحامل حديث لدرجة الدكتوراة  حيث انه مناسب  جدا لؤلئك  الذين عملوا في الجامعات لمدة طويلة ومن ثم حصلوا على القاب اكاديمية عليا مثل بروفيسور او على الأقل أستاذ مشارك أي انهم يكونون قد وصلوا لنهاية السلم الاكاديمى وليس مثلى الذين هم على بداية درجات هذا السلم  ومن ثم ليس باستطاعتهم الصعود عليه ذلك ان معهد الأبحاث لم يكن من حقه منح هذه الألقاب العلمية لان ذلك من حق الجامعات فقط   وعلى العموم جاءت نهايتى مع المعهد بطريقة خارجة عن ارادتى  حيث  انه وقبل مدة انتهاء عقدي مع المعهد بفترة ثلاثة اشهر( كما أتذكر ) دعتنى مديرة الإدارة الدكتورة نجلاء النصار وقالت لي بان إدارة المعهد ابلغتها بانها قد لا تجدد العقد  معي لفترة أخرى حيث ان هناك متقدما كويتيا سيشغل هذا المركز وان سياسة تكويت الوظائف هو إرادة اميرية  . قالت لي هذا الكلام وكان التأثر باديا على قسمات وجهها ثم اردفت بانها ستبذل جهودها لثنى إلادارة العليا للمعهد هذا ومن المهم انه وفي هذا السياق ان اذكر بان الإدارة العليا للمعهد  ومنذ فترة سابقة قصيرة قد تغيرت حيث  جاء مدير عام جديد للمعهد هو الدكتور الجسار وهو ابن احد رجال الدين المعروفين  جدا في الكويت وذلك بدلا من الدكتور عدنان شهاب الدين وهو عالم فيزياء   كويتى من اصل فلسطيني أي كويتي بالتجنيس   كذلك طال هذا التغير بعضا اخر من رجالات الإدارة أي تقريبا تم تكويت الوظائف العليا بالكامل . بالطبع تأثرت انا لهذا الخبر وقلت في نفسي "جت منك يا جامع" ولكن وبسرعة مذهلة وجدت نفسي حزينا لهذا الخبر وفي هذه اللحظة أيضا نسيت كل المنغصات وشعرت بالتأثر  فهذه وبحق اول مرة في حياتي الوظيفية  يكون انتهاء الوظيفة ليس من طرفي بل من صاحب العمل وهنا شحب وجهى وتغيرت قسماتي ولكنى تمالكت نفسي وشكرت د. نجلاء على شعورها الطيب نحوى وقلت لها لعلها مناسبة سانحة لي لابوحَ لكِ باننى كنت دائما اشعر بانكِ تعامليننى بكل ود ومحبة وسوف تعيش معى ذكريات معهد الأبحاث الى الابد. بعد هذه المقابلة القصيرة ذهبت الى مكتبى وجلست أتصور عواقب ترك هذه الوظيفة  وبحق اول من خطر ببالى هي اسرتي أي الزوجة والابناء وهنا تبادر لذهنى صورة ابنتى  المتفوقة دراسيا ربا والتي كانت في ذلك الوقت تستعد لامتحانات الثانوية العامة بالكويت وبالطبع تطمح لدخول كلية مرموقة في الجامعة   أي تحصل  مثل اختها الكبرى جيهان على منحة خاصة من الجامعة عن طريق المعهد . وفي الواقع كانت الابنة جيهان اول طالب او طالبة تحصل على منحة الجامعة المقدمة للمعهد  بمعنى لم تكن هناك منحة من الجامعة للمعهد قبل ذلك  وللواقع ان مديرة الإدارة د. نجلاء  وقد كانت استاذة جامعية قبل عملها بمعهد الأبحاث  , بذلت جهودا مشكورة  مع مجموعة من اصدقائى واصدقائها  في جامعة الكويت في سبيل  موافقة الجامعة على توفير هذه المنحة للمعهد  والتي استمرت بعد ذلك ليستفيد منها موظفو المعهد  . وللواقع أيضا اننى كنت على وشك ترك المعهد والعودة لجامعة البحرين (اذ كانت  اقامتى لا تزال  صالحة هناك) ان لم تحصل ابنتى على كرسي بجامعة الكويت  .ولعله من المهم ان اذكر وتدليلا على أهمية الحصول على مقعد لطالب في جامعة الكويت  انه وحينما حصلت ابنتى جيهان (الان وقد تزوجت , لا زالت تعيش وتعمل  في الكويت البلد التي ولدت فيها وعشقتها ولم تقبل الهجرة الى كندا )  رسميا على منحة  الجامعة والمخصصة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية اذكر ان الدكتورة فينيس جودة ( عينت فيما بعد وزيرة البحث العلمي في مصر) وكانت تعمل في المعهد بوظيفة رئاسية ان سألتنى كيف حصلت ابنتى على هذه المنحة مع ان ابنها حصل على مجموع عالى وانها اقدم منى في المعهد ومع ذلك لم يحصل ابنها على هذه المنحة  وكانت اجابتى لها : انا  بالطبع لن اسأل المعهد لماذا اعطيتم المنحة لابنتى فاسأليه انت!!

واعود مرة أخرى لموضوع الابنة ربا والتي كانت تقضى الساعات الطويلة جدا في الدراسة وتنقطع عن كل ماهو خارج غرفتها حتى  التمتع بالطعام لتتفرغ  كليا للدراسة ترى ماذا سيكون موقفى منها حينما تعلم انها  وان حصلت على مجموع عال فهى لن تدخل كلية مرموقة في جامعة الكويت بالنظر الى لوائح الجامعة فهى ليست مواطنة كويتية . وأيضا كيف سيكون وضع باقي افراد اسرتي وقد تعودوا على المنزل الجميل وعلى حياة معينة فيها الحياة المريحة والمستوى الاجتماعي اللائق المتميز   المهم ذهبت للمنزل لتستقبلنى الزوجة وانا في هذه الحالة من الارتباك  وللامانه انها تقبلت الامر ولم تعلق إلا بان هذا حدث نتيجة "عين ما صلت على النبي" !! وبالطبع  كما تقول هي عارفه عين مين بالضبط  !! ولكنها أكملت حديثها بانها متأكدة بان الله لن يخذلنى وساجد وظيفة افضل وانه لا داعي للقلق لا على ربا ولا على غيرها .  اذ ربما يكتب لها الله كلية  جامعية مرموقة   مما جعلنى اضحك واستخف على ما هيئ لي انه سذاجة  من زوجتى وعدم قدرتها على الاستنتاج السليم ولكن وللتاريخ ومن اجل ان لا يقنط اى إنسان يمر بظرف صعب فيتصور ان الطريق امامه قد اغلق او ان الله قد تخلى عنه من اجل هذا كله  أقول لقد صدقت زوجتى ولم تكن ساذجة كما تصورت ذلك ان شاء الله ان تحظى ابنتى  ربا بمنحة تؤهلها لدخول كلية الطب بدون أي عناء اما كيف  حدث هذا فسأذكر ذلك  لاحقا .وبالتالى اقول لمن يقنط  من رحمة إذا اغلق الله في وجهك بابا فانه يفتح عشرة أبواب بدلا من الباب الذي اغلق.

كان من الطبيعى والحال كذلك ان اخبر اخي الأكبر الدكتور محمد على بهذا النبأ والذى كان مؤثرا بالنسبة له وقال لي انه سيتابع الامر وبالفعل بعد مدة قصيرة قال لي اذهب الى السيد عصفور ( لا اذكر اسمه الأول) وكان قد عين نائبا عاما للمدير العام  لمعهد الأبحاث قادما من جامعة الكويت حيث كان يشغل هناك أي الجامعة منصبا قياديا وبالفعل ذهبت الى السيد عصفور الذي استقبلنى بحفاوة وود وقال لي ان تكويت الوظائف وخاصة العليا هو  قرار حكومي اميرى ومن ثم قال لي أن إدارة المعهد لا تريد التفريط بك  وانا أقول لك  اختر أي إدارة في المعهد ويكون فيها مكان شاغر لانقلك اليه بالطبع شكرته شكرا جزيلا على ابدائه المساعدة ولكن قلت في نفسي انا لا اريد ان أعمل في المعهد مرة أخرى فهو لن يعطينى ما اصبو اليه .. ولعل الله أراد هذا ليجعلك تحقق ما تريد فعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم .

هكذا اذن بدأت ابحث عن وظيفة جديدة ومن ثم تواصلت مع جامعة الكويت فقيل لي ان موسم التعاقدات  للسنة  الدراسية الجديدة قد انتهى منذ شهور وكذلك كان الحال في جامعة البحرين واما كلية التربية الأساسية والتي كانت تعرف باسم معهد المعلمين حيث كنت اعمل به قبل خمس سنوات أي قبل  استقالتى منه وذهابي للعمل في جامعة البحرين فقد أغلقت وبيدي  انا بابها امامي اذ كنت قبل ذلك بشهورقليلة  تقابلت مع عميد الكلية الأخ الدكتور مرزوق الغنيم وشكوت له من منغصات العمل بمعهد الكويت للأبحاث العلمية وان ابنتى على وشك انهاء الثانوية العامة والوضع غير مطمئن لاحصل على منحة  للمرة الثانية من  جامعة الكويت تؤهلها للدخول  وهنا قال لى الدكتور مرزوق انا مستعد لقبول إبنتك في أي كلية بإدارة التعليم التطبيقى والتدريب وربما الجامعة بشرط ان تكون انت عضو هيئة تدريس معنا  وقال لي عموما اذا اردت ذلك تعال اليوم بعد الظهر لمقر الإدارة بالشرق وقدم طلب انتقالك للإدارة وأقول لك اليوم لاننى غدا لا أضمن لك شيئا  وبالفعل ذهبت عصر ذلك اليوم لمقر الإدارة ولكن وصلت متأخرا بسبب انه كان يوم ذو غبار كثيف جدا (طوز) مما جعلنى اتاخر رغم ارادتي ومن ثم لم استطع مقابلة الدكتور مرزوق او تعبئة أي طلب  وقلت غدا ساحضر ولم اكن ادري ان غدا هذا كان يحمل لي مفاجأة ان الدكتور مرزوق  قد ترك عمادة الكلية وانتقل الى وظيفة مرموقة أخرى ومن ثم لم استطع ان اراه وحتى تاريخ كتابة هذه السطور!! ومن خلال هذه السطور اود ان أتقدم بالشكر الجزيل له على حسن ظنه بي وابدائه الرغبة في مساعدتي.

هكذا اذن أغلقت امامي جميع أبواب الجامعات والمعاهد العليا سواء في الكويت او البحرين اما الجامعات الخارجية فهى ليست من السهولة لكي تتاح لي فانا كنت احمل آنذاك وثيقة سفر مصرية للاجيئين الفلسطينين ولم يكن مرحبا بها حتى عند الدولة  التي أصدرتها فهى لا تخول حامل هذه الوثيقة بالدخول الى مصراي بلد الإصدار فما بالك بالدول الأخرى؟؟!!

هنا فكرت في الذهاب الى صديق عزيز  وهو الدكتور رشيد الحمد والذي أصبح يشغل منصب وكيل وزارة التربية المساعد بالكويت بعدما كان يشغل موجه عام العلوم بوزارة التربية الكويتية حيث كنت اعمل وقبل حصولى على درجة الدكتوراه من بريطانيا كنت اعمل موجها فنيا للعلوم أي تحت رئاسته وقلت ساذهب  لاطلعه بما حدث ومن ثم أستشيره لعله وكعادته معى ومع الاخرين  يفتح لي بابا جديدا .

بالطبع ذهبت الى الدكتور رشيد وكانت علاقتى به جيدة حيث كنت واثناء عملى سواء في البحرين او بمعهد الأبحاث على تواصل معه وهكذا والحال كذلك لم اجد صعوبة في اللقاء به واطلاعه على اخباري الجديدة  وهنا قال لي نحن يا دكتور بحاجة لك  اقصد وزارة التربية بحاجة لتخصصك فما رايك ان تنقل خدماتك الينا ومن ثم نعطيك وظيفة تعتبر مميزة في الوزارة اذ نتعاقد معك بعقد من الفئة ج (كما اذكر او ربما  ذكر حرف اخر قد يكون د او غيره )وقال ان مميزات هذا العقد كثيرة ويمنح للخبراء وهو عقد سنوي قابل للتجديد حسب الحالة  وعلى العموم اذا راقك هذا فسوف نحتاج لخدماتك في إدارة المناهج والتي يتبعها طرق التدريس والتقنيات التربوية حيث انك متخصص في التقنيات التربوية  وعلى العموم بامكانك التعرف على شروط العقد ومميزاته من الأخ سليم الريس والذي يعمل  في ديوان الوزارة , ثم اردف قائلا وبالطبع ومن حسن الحظ ان الوقت الباقي لك في المعهد وهو الأول من سبتمبر لا زال كافيا للقيام بالإجراءات الإدارية اللازمه لاصدار قرار العمل ومن ثم مباشرته  اما بخصوص ابنتك فانا اعدك بالمساعدة على إيجاد مقعد لها في الجامعة او إدارة التعليم التطبيقى والتدريب لتدخل أي كلية متاحة . بالطبع اثلجت صدري هذه الاخبار ومن ثم ذهبت بعد أيام قليلة لمقابلة الأخ سليم الريس   والاستفسار منه على طبيعة هذا العقد  وبالفعل رحب بي الأخ سليم وقال لي هذا عقد متميزفهو للخبراء  ولذلك  فهو  ليس طويل الأمد اذ هو سنوي ولكنه يمنح راتبا كبيرا ( في الواقع كان اقل كثيرا من راتب معهد الأبحاث) ويمنح سكن مؤثث وأيضا اقل من مستوى سكن المعهد ولكن لا يوجد تامين على الحياة ولا فرصة لتعليم الأولاد في المدارس الحكومية او الحاقهم بالجامعة ولكنه قال لي وحينما عرف منى سبب الرغبة في العمل قال ربما يكون هذا مناسبا لك اذ انه اثناء مدة العقد وفي خلال سنة تكون قد وجدت لك وظيفة في الجامعة   ان لم يرق لك العمل الجديد .  هكذا اذن شعرت ان الله معى وكعادته دائما وقلت  الخير فيما اختاره الله فهذا افضل الموجود  ويجب ان أكون راضيا بذلك وهكذا ذهبت للمنزل بروح معنوية عالية ولازف لاسرتي النبأ السعيد   .. ولكن وفي اخر لحظة وبدون أي مقدمات شاء الله ان يفتح لي بابا اكثر اتساعا من هذا الباب ووجدت امامي فرصة لتحقيق ما كنت اصبو اليه من العمل في الجامعة  اما كيف حدث هذا فادعه للحلقة القادمة باذن الله

 

 

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً