في الحلقة السابقة تحدثت عن رحلتى الاستقصائية القصيرة الى اليمن وعن طبيعة الحفاوة الكبيرة التي قوبلت بها من الرسميين في الجامعة ايتداء من مدير جامعة صنعاء الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح ونائبه الأستاذ الدكتور ابوبكر القربي وعميد كلية التربية الدكتور على هود باعباد ومن ثم وجدت نفسي راغبا في توقيع للعمل في كلية التربية وبالفعل وقبل سفري بيوم واحد وكما ذكرت في الحلقة السابقة تم توقيعى للعقد لاعمل كخبير منتدب من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للجامعة العربية للتدريس في جامعة صنعاء واعامل معاملة الدبلوماسيين وفق الاتفاقيات المعمول بها . بعد انتهاء عملية التوقيع تفرع بنا الحديث الى موضوعات عدة ومنها شراء سيارة خاصة لي وأسعار السيارات هنا فاخبرني السيد السيد هاشم (رئيس اللجنة الوطنية ) ان السيارات الجديدة هنا ليست دائما متوفرة في الحال ولكن توجد سيارات بحالة جيدة ومعظمها سيارات يابانية كالمازدا والتيوتا وهنا خرجت منى زفرة حزن وانا أقول له كم انا متألم لاننى ساضطر لبيع سيارتي المرسيدس كاملة المواصفات والتي اشتريتها جديدة من الوكالة بالكويت قبل اقل من ثلاث سنوات ومن ثم فهي بحالة جيدة جدا وهنا قاطعنى قائلا ولماذا لا تحضرها معك أي لماذا لا تشحنها الى هنا او تحضر انت فيها وهذا هو الأفضل فالطريق من الكويت الى اليمن وعبر المملكة العربية السعودية طريق عامر وامن والكثير من المسافرين والبضائع تصلنا من الكويت عن طريق البر والمسافة تأخذ منك حوالى اليومين فهى في حدود 3000 كم فقط وأيضا وبما انك دبلوماسي فلن تدفع جمارك على السيارة وهنا تدخل العميد وقد استحسن الفكرة اذا راقت لك الفكرة فيمكن خلال هذا اليوم ان نجهز لك الأوراق اللازمة لادخال السيارة الى اليمن .. بالطبع وجدت الحل جيدا وقلت في نفسى اقبل العرض واحصل على أوراق الادخال وحينما اصل الكويت افكر هل ابيع السيارة ام احضرها معى . خرجنا من مكتب رئيس المنظمة وذهبنا لادارة الجامعة والتي قامت في الحال مشكورة بالاتصال بالجهات المسؤلة وفي خلال ساعات قليلة كانت أوراق عدم ممانعة دخول السيارة في يدي.
في اليوم التالى ركبت طائرة الخطوط الكويتية عائدا للكويت وليبدأ العد العكسى للسفر الى صنعاء للالتحاق بالعمل في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر على ما اذكر .
حينما بدأت بعمل خريطة طريق لهذه المرحلة وجدت انه ينبغي على عمل الكثير من الأمور المطلوب منى اخذ قرارات بشأنها واولها وضع الاسرة فقد كانت الابنة الكبرى جيهان وكما سبق واشرت تدرس بمنحة في جامعة صنعاء وهي كانت آنذاك في السنة الثانية بكلية العلوم اما الزوجة فكانت تعمل كمشرفة فنية (ما يشبه مفتشة مقيمة) في احدى المدارس الحكومية اما الابنة ربا فقد انهت الثانوية العامة وبمجموع متفوق تعدى 93% ومن ثم فهى ستلتحق بكلية الطب بجامعة صنعاء اما الابنتين الباقيتين ليما وانجى فلا زالتا طالبتين في المدارس الحكومية واما الابن محمد فقد كان على وشك دخول الصف الأول الايتدائي ومن ثم كان من الصعب اتخاذ قرار مناسب لكل افراد الاسرة فلابنة الكبرى لا تريد ان تترك جامعة الكويت وهي سعيدة بكلية العلوم ومن ثم فهى لا تريد الذهاب الى اليمن والزوجة أيضا غير راغبة في ترك وظيفتها والبلد الحبيب الذي تحبه الكويت لتذهب الى اليمن حيث لا تعرف أحدا وهو المجهول بالنسبة لها وكذلك بقية افراد الاسرة فهم يحبون الكويت ويعتبرونها بلدهم الام حيث ولدوا فيها . هكذا اذن استقر الوضع على ان اذهب انا والابنة ربا الى اليمن ونترك بقية الاسرة في الكويت لازورهم في الاجازات خلال العام الدراسي وبالطبع في الاجازة الصيفية
.
حينما وصلنا الى هذا القرار حتى ظهرت امامنا مشكلة إيجاد سكن لائق للاسرة ومن ثم تأثيث هذا السكن اذ ينبغي علينا اخلاء السكن الحكومي المؤثث الذي نتمتع به حاليا
في اليوم التالي ذهبت لمقر عملى أي معهد الكويت للأبحاث العلمية لابحث مع المسؤلين إمكانية تاجيري الشقة التي اسكنها ولكن للأسف قيل لي ان القوانين تمنع ذلك وانه يجب على اخلاء السكن قبل يوم واحد من تاريخ تركى للمعهد .. هنا ضاقت الدنيا في وجهى اذ ليس من السهل إيجاد شقة ثم تأثيثها خلال ثلاثة أسابيع فقط ومما زاد من التحديات انه مطلوب منى أيضا عمل فيزة مرورمن سفارة المملكة العربية السعودية لي ولابنتى ربا وكذلك السيارة هذا بالإضافة الى عمل بعض الإجراءات اللوجستية لتأمين حياة سعيدة للاسرة في غيابي عن البلد ومنها الحصول على إقامة جديدة في الكويت تمكننى من الحضور لزيارة اسرتي اذ ان إقامة المعهد سوف تلغى بالطبع .
بعد حوالى أسبوع من البحث المتواصل استطاعت زوجتى إيجاد شقة مناسبة في عمارة حديثة ومكيفة تكييفا مركزيا وتقع في شارع تونس بجانب البنك الاهلى الكويتى وهو موقع مناسب ومنطقة امنة وقريبة من المدارس ومن ثم تم ابرام العقد مع المالك رغم ان الأجرة كانت اعلى قليلا مما ينبغي .. الان اصبح علينا تدبير الأثاث ومن ثم بدأنا في زيارة المعارض المختلفة ولكن حدث واخبرني احد الأصدقاء بان هناك عائلة تريد بيع اثاث شقتها بالكامل بالنظر الى ان رب الاسرة وكان يعمل مديرا لاحدى الشركات الخاصة قد قرر العمل في بلد اخر خارج الكويت .. ذهبت انا وزوجتى لمعاينة الأثاث فوجدناه جديدا لا يتعدى عمره السنتين وهكذا تم شراء كل الأثاث بسعر معقول وتكفلوا بايصاله لنا على الشقة الجديدة وهكذا أيضا تم حل المشاكل الكبرى في اقل من أسبوعين اما بالنسبة للفيزا فلقداخذتها في نفس اليوم حيث كانت سفارة المملكة العربية السعودية لا تبعد عن منزلى الحالي الا بضع مئات من الأمتار .
الان جاء الوقت لبحث طريقة السفر بالطائرة ام السيارة وهكذا اخذت ادرس الموضوع من جميع جوانبه ومن ثم تطلب الامر ان استمع للناس واسأل سائقى الشاحنات الذين يسافرون الى اليمن بشاحناتهم برا ومن حديثى معهم تبين ان الامر اسهل مما كنت أتصور وانه لا يخلو من مغامرة شيقة ولكنها ليست خطرة ونصحوني ان اتخذ الطريق الساحلى أي طريق الخافجى جدة- الطوال حيث الحدود السعودية اليمنية لادخل بلدة حرض اول الحدود اليمنية ومنها الى الحديدة ومن الحديدة الى صنعاء والرحلة طولها حوالى 3000 كم وتستغرق اقل من يومين والطريق منبسطة ولا توجد بها حفر بل جيدة الصيانه ولكن يجب الحذر من ان يتغلي عليك الملل او النعاس او تقطع عليك الحيوانات الطريق عليك الانتباه طول الطريق والتي هي عامرة بمحطات متواضعة للاستراحة ومطاعم صغيرة وبعض الحوانيت الصغيرة التي تقدم الخدمات الأساسية للمسافرين مثل محطات البنزين ونحلات لنفخ وتصليح وبيع الاطارات او تغيير الزيوت وهكذا .
بعد أيام قليلة وبمساعدة احد اقاربي تم تغيير الإقامة ومن ثم تم انجاز كل الأمور الصعبة تقريبا ولم يبق الا تجهيز نفسي للسفر من حيث شنط السفر و تفقد السيارة وتجهيزها وهذا كان يتم بكل سهولة ويسر .
في صباح الباكر ليوم الأربعاء من أيام الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 1989 ووفقا للخطة ركبت السيارة انا والابنة ربا وبعد وداع الاسرة على امل اللقاء القريب ركبت السيارة والى جانبي الابنة الحبيبة ربا متجهين صوب الجهراء ومنها الى حفر في السعودية حيث وصلناها قبل الظهر وهناك تم اجراء المعاملات بسرعة ومن ثم سمح لنا بدخول اراضى المملكة العربية السعودية من طريق وادي الباطن لنتجه الى جدة حيث ان لى اختا تسكن في جدة ولكن كانت في تلك الليله تزور ابنتها في الطائف ومن ثم قررنا الذهاب الى الطائف لنسعد بلقائها مع زوجها ابن العم سليمان عبد الحي الفرا والذي كان يعمل صاحب ورشة نجارة في جددة ومع اسرتها من البنين والبنات وهكذا كانت محطة وقوفنا الأولى في الطائف حيث وصلناها بعد منصف الليل حسبما اذكر حيث مررنا من وادي حفر الباطن الى المجمعة ثم الدوادي ثم عفيف والماوية وأخيرا الطائف .
في اليوم التالى تركنا الطائف متجهين الى جدة لنأخذ الطريق الساحلى حيث المسافة بين المدينتين حوالى 175 كيلومتر قطعناها في حوالى الساعتين والنصف حيث الطريق جبلية صعبة ومن الجدير بالذكر اننا وبعدما تركنا الطائف مررنا بجبال الهدا وهي جبال شاهقة الارتفاع وكان الوقت صباحا والشمس قد بدأت في نشرت اشعتها على كل المنطقة واذا بنا نفاجأ بأحد القرود يهبط من الارتفاع الشاهق لينزل الى مستوى الطريق الاسفلتى المعبد راغبا في قطع هذا الطريق متوجها للجانب الاخر مما جعلنا نهدئ السرعة وكانت سرعتنا تصل الى حوالى 150 الى 160 كيلومتر في الساعة وحينما هدأنا السرعة فوجئنا ان هذا القرد يقود فريقا من القردة في حدود عشرين قردا يريدون عبور الطريق خلف هذا القائد القرد كان وبحق منظرا مسليا خفف عليناء عناء طول المسافة واعجبنا بدرجة النظام والانضباط لهذا القطيع من القرود فهم يسيرون في مجموعة واحدة مكونة من عدة صفوف كل صف به بضعة قرود ولا يتزاحمون بل يسيرون في حركة سريعة ولكنها منظمة ولم يضايقوننا في الطريق بل اخذو الجانب الفارغ من الطريق وتركونا نمر بهدوء وسلام !!