في صباح يوم السبت المنصرم إستيقظت كعادتي لصلاة الفجروبعد أداء الصلاة واحتساء كوب الشاي المخلوط بالحليب والمحلى جزئيا بالعسل أسندت ظهرى على وسادة كانت بدورها تستند على خشبة ظهر السرير.. اخذت اسمع عبر جهاز تلفاز غرفة نومي الى ايات من الذكر الحكيم يتلوها الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله . بدأ النهار يتسلل من نافذة الغرفة المفتوحة الستائر .. انه وكما خيل لي وكالعادة سيكون يوما ضبابيا داكنا ..هذا النوع من الجو يثير امتعاضى ويسبب لي الانقباض والإحباط!! حاولت ان اخرج من هذه الحالة المزاجية السيئة نقلت قناة التلفاز الى اليو تيوب لاسمع أغنيات فيروز وجدتها تغنى "اعطنى الناي وغنى " هنا خطرت في بالى فكرة خيالية مجنونة قلت لنفسي انت الان وبالتأكيد تعيش حالة إحباط ومن ثم فانت الان لست سعيدا فماذا لو أُعطيت مصباح علاء الدين والذي ما ان تفرك يد هذا المصباح حتى يخرج ذلك الجنى ليلبى أي طلب لك ؟ .. استرسل بي الخيال اللذيذ ووجدت نفسي ارتاح لهذا الوهم. .. إرتسمت على وجهي ابتسامة كبيرة وقلت سأطلب من هذا الجنى ان يهبنى مبلغا محترما من المال لِنَقُل بضعة مليارات وذلك باعتبار ان الملايين الان ليس لها قيمة وخاصة عند مسؤلينا في البلاد العربية !! قلت في نفسي بالتأكيد حينئذ سأكون سعيدا بل "فوق النخل "بالتعبير العراقي!! أجل ساكون سعيدا بهذا الثراء .
وهنا طاف بذهنى كيف تراني انفق هذا المال ؟ قلت لنفسي اول شيء سأفعله هو ان اقتنى يختا فارها يجوب بي بحار الكاريبى المشمسة الدافئة . أيضا سأشترى بيتا اكبر من بيتى الحالي قصرا مثلا به العديد من الغرف والطوابق وتحيط به الانوارالكاشفة وبالطبع تلزمه سيارة فخمة من تلك السيارات الكهربائية الانيقة والتي تقود نفسها بنفسها أي اخر موديل . كذلك سوف اضع في قصرى هذا طاقما من حريم اكثر من السلطان كلهن كواعب وحوريات ولن اقع في شرك تعدد الزوجات حيث انه غير مباح في كندا ولكن سيكنّ مجرد مرافقات او قل صديقات فهناك صديقة للرحلات وهناك صديقة للحفلات وأخرى للمساج وشد العضلات وهكذا.. وأقول لكم الصدق اننى حينما وصلت الى هذا المقام شعرت بغصة تنتابنى وقلت لنفسى أيها العجوز المتصابي ان جميع هذه الفلوس لن تستطيع اسعادك فانت وان اقتنيت اليخت فانك لن تستمع بنسيم البحر اثناء النهار ولا برومانسية الجلوس ليلا على ظهر يختك هذا لتراقب القمروتستمع بقصص مثل قصص العاشقين .. ستصاب بدوار البحر بعد لحظات من الإبحار ومن ثم ستشعر بالتعب والارهاق وتطلب الاسترخاء مشيحا بوجهك بعيدا عن مياه البحر ,اما في الليل فسوف تشعر بالبرد يغزو مفاصلك خاصة وانك لم تعد ترى في القمر إلا ميقاتا لتؤي لفراشك !! ولعلك تتذكر انك وقبل بضع سنوات سافرت سائحا الى الكاريبى اكثر من مرة حيث زرت كوبا وترينداد وتوجو والدومينيكان ونزلت في منتجاعاتها البحرية الفخمة فماذا فعلت انك لم تستمع بالنظر الى مياه بحارها و لا بإطلالات القمر في سمواتها بل جلست في ردهات صالوناتها لتكثر من من احتساء القهوة او شرب شراب بينا كولادا !!
اما اقتنائك للقصور فهذا سيكون عبئا عليك ماذا تفعل بهذا الكم من الغرف ستظل قابعا في غرفة او غرفتين او ثلاثة على الأكثر أي غرفة نوم وغرفة مكتب وغرفة لاستقبال بعض الضيوف ومنزلك الحالي به خمسة غرف وشكله جميل واثاثه جديدا ومتناسقا ...ألا تتذكر المنزل الذي كنت تسكنه بمفردك في البحرين والذي أُعطى لك على أساس ان عائلتىك كانت مكونة من ثمانية اشخاص (بمن فيهم المربية ) ومن ثم فكان عبارة عن فيلا كبيرة بها اكثر من ست غرف نوم ومكتب وصالون استقبال كبير وغرفة معيشة ممتدة هذا غير المرافق الكثيرة والملحق وتتذكرايضا انه عندما كنت تسكن في هذا المنزل والذي كان يقع في منطقة الرفاع الراقية ونظرا لان عائلتك لم تقبل ان تترك الكويت وتعيش في البحرين معك ومن ثم فلقد شغلت وبمفردك هذا المنزل الكبير وكانت النتيجة انك لم تستعمل منه الا ثلاث غرف فقط وتركت بقية الغرف خاوية وأصبحت تتذمر وتجد مشقة وازعاجا كبيرا في فتح أبواب هذه الغرف الخاوية (من ان لاخر) كي تجدد هوائها !!
وأما من حيث إقتناء السيارة الانيقة الفارهة ذاتية القيادة فهى ليست نهاية المنى وسدرة المنتهى فبإمكانك الان وبما تملكه من مال متواضع لم تعد بحاجة كثيرة اليه أقول يمكنك ان تقتنيها ولكن تذكر أيضا انها لن تجلب لك السعادة فالكثيرون هنا اقتنوا سيارات "تسلا "الكهربائية الكاملة ولكنهم وكما قالوا لك لم يصبحوا سعداء ,والأهم من هذا فإن كندا وللان لم تسمح بعد باجازة تفعيل خدمة القيادة الذاتية في هذه السيارات وحتى ان لم تشتر هذه السيارة فسيارتك الحالية أل "لاكزس" ذات العمر القصير والكاملة المواصفات والتي تتحرك بمحرك مهجن (يعمل بالبنزين والكهرباء ) تقوم بكل ما تطلبه منها من خدمات وبكل دقة وإقتدار !!
اما إقتناء الفاتنات الكاعبات فايضا هذا لن يجلب لك لا السعادة ولا الهناء بل العكس سيسبب لك القلق و الشقاء !! ...سوف تصبح اضحوكة لهن فانت تعرف انك اشتريتهن بفلوسك وانهن لا يرتبطن معك بقصص حب او حنان ,انهن ينافقنك المشاعر ويضحكن في سرهن على شيخوختك المتصابية ,ويزعجهن حركتك المتثاقلة ,وأناتك المتقطعة !! ( ألا ليت الشباب يعود يوما ...فاخبره بما فعل المشيب) . وباختصار شديد انت وفي هذا السن المتقدمة لا تستطيع ان تلبى ما يحتاج له سنهن من أشياء واشياء ؟؟!! ومن ثم فلا توجد هنا رفقة متكافئة ,ولا صداقة صادقة .بالتأكيد سيمثلن عليك دور الحبيب ولكن حبهن هذا المصطنع وبالتأكيد سيختلف عن حب تلك المرأة الحقيقى والتي قضت معك سنين عمرها وكافحت معك منذ فجر شبابها وضحت بالكثير من اوقاتها , لتصبح حيث انت الان .. انها المرأة التي وفي كل خطوة تخطوها تحميك بدعائها , وتحفظك بوفائها .. فهل عدت الى ضميرك أيها العجوز واحترمت نفسك !! .
...هنا ادركت ان جميع الاحلام السابقة قد تهاوت وأصبحت ليست بذي بال بل ستجلب لي الأذى والوبال !! يعنى وباختصار "فات الميعاد "!!
أقول الصدق انه حينما وصلت الى تلك النهاية لم استسلم وقلت انا لا زلت اريد المال من هذا الجنى ومن ثم سوف اعطى معظمها الى اولادي ( الأعزاء) وهنا جاء في مخيلتى صورة كل ولد من اولادي اصغرهم تخطى العقد الثالث وكلهم مهتمون بأنفسهم البنات متزوجات ويلذ لهن الاهتمام باولادهن وأزواجهن اكثر كثيرا من الاهتمام بوالديهن ولا يزداد قربهن منا إلا اذا اختلفن مع ازواجهن او اصابهن مرض او ازمة مالية ( لا سمح الله) !! وباختصار فهن وبشكل عام لا يشعرن بما نقاسيه نحن الوالدين من احباطات نتيجة لتدهور الصحة ,و قلة النشاط ,او زيادة النسيان .. اما الولد فهو مشغول بعمله وبعالمه الخاص ويعتبرنا ومن وجهة نظره اننا لا نستطيع إفادته من تجاربنا فهى بالنسبة له غير مناسبة وان التاريخ قد ابطل صلاحيتها واننا اصبحنا في نظره متخلفين وهو يتكلم معنا كما لوكنا موظفين في شركة هو مديرها ومن ثم وجب علينا تقديم جميع الخدمات له لعله يكرمنا بالرضاء علينا هذا على الرغم من اننا ننظر اليه فنجد ان امامه الكثير من الأشياء عليه ان يسعى لتحقيقها ونشعر انه وفي معظم الأوقات يدفع الثمن الباهظ نتيجة عدم الاستفادة من تجاربنا ناهيك عن اننا نقدم له الخدمات اللوجستية والمادية ليستطيع ان يشعر بشئ من الراحة والهناء !! وباختصار وتأسيسا على ما شرحته سابقا فانه ليس من الحكمة اعطائهم أي الأولاد مزيدا من المال اذ سوف يفسروا ا ذلك بانه مكافأة لهم على تصرفاتهم الحالية نحونا ومن ثم سنعزز وجهة نظرهم وعليه فلن يزداد حبهم الحقيقى لنا ..ولعل هذا ما يفسر سبب ما قرره مليارديرات هذا الزمان مثل بيل غيتس ( 110 مليار دولار) ومارك تروكربيرغ (71 مليار دولار) و مايكل بلومبيرغ عمدة نيويورك ( 50 مليار دولار) وغيرهم عدم إعطاء ثروتهم لابنائهم
إذن لم يعد لنقود ذلك الجنى أي فائدة بالنسبة لي وكحل أخير قلت لنفسى لماذا لا اتبرع بهذه النقود لبناء المدارس او المستشفيات ؟ وهنا هتف بي هاجس شيطاني حقود اهل انت عاقلا ام مجنونا .. تطلب الفلوس من الجنى لتعطيها للناس ياأخي وفر على نفسك ازعاج التعامل مع الجن . دع الناس نفسها تطلب ما تريد وبنفسها ووفر على نفسك وجع الراس وأيضا تأكد ان الكثيرين من أبناء جاليتك العربية سوف يقولون ما لا يعجبك من تعليقات فمن قائل انك أعطيت ذلك من لجهات حكومية وتركت مؤسسات جاليتك ومن ثم فسوف تتهم بالمباهاة والوصولية وأيضا قد تنتشر من حولك الاشاعات فمن قائل انك حصلت عليها من غسيل الأموال وهنا ربما تَعْلق مع الحكومة ومؤسساتها الضريبية النهمة وأيضا وبما انك عربي مسلم فسوف تضعك أمريكا على لائحة الإرهاب وتحجز على جميع اموالك اذ كيف ستصدقك بانك تمتلك جنيا في مصباح !! وحتى ان سلمت من هؤلاء فسوف يستلمك الناس وبفتاويهم المتناقضة اذ ربما يفتون بأن مالك هذا حرام لانه جاء من مصدر غير حلال فهو وربما سيكون في نظرهم مثل الياناصيب إذن فهو سحت ومصيرك انت واياه النار وبئس المقام !!
هكذا اذن أغلقت امامي كل الطرق وتبعثرت كل الاحلام ..وهنا حانت منى نظرة الى النافذه فلاحظت ان الشمس قد خيبت تنبوأتي ودخلت باشعتها الذهبية الى غرفتى فإرتفعت معنوياتي وصاحب ذلك صوت زوجتى تنادينى من الطابق الأسفل "إنزل ألفطور جاهز ياباشا " مما جعلنى اعود الى رشدي وافيق من خيالاتي ..فقلت الحمد لله لما انا عليه فهانذا بصحة جيدة ومعى من النقود ما يكفى بقية عمرى وباقتدار وهاهي زوجتى تنادينى وبمحبة واحترام صادقين (والواقع انه يلذ لي ان اسمع كلمة يا باشا من فمها حينما تقولها بطريقة معينة ) .. أيضا هاهم اولادي سوف يحضرون اليوم فاليوم هو نهاية أسبوع وعادتهم ان يروني في إجازة كل أسبوع ويحضرون معهم كل احفادي والذين يقبلوننى ببرأة كلها محبة واحترام ..وهاهو ابنى ابقاه الله لنا ذخرا ورجلا ذو نخوة وكرم يوافق على أن يذهب لمحلات كوسكو لشراء اكلة من السمك الطازج فان لم يكن فغداء بطبق من المشويات عند المطعم الغزاوي ذو الشواء اللذيذ ..
هكذا اذن تسير بي الحياة ..ومن ثم وجب علي ان أكون شاكرا لله على نعمه وسعيدا بعطائه لقد صدق من قال "القناعة كنز لا يفنى"!!
ملاحظة هامة :
لم اطلب من الجنى ان يوحّد العرب و يعيد الي فلسطين ذلك انه قال لي ومنذ البداية "هذا الامر لا يمكنني تحقيقه في الظروف الراهنة"!!!ّ
تم نشر هذا المقال في جريدة دنيا الوطن يوم 11مارس 2020 انظر الرابط ادناه
- https://feeds.alwatanvoice.com/
سمير حسن
كم أتمنى فى مجلة الغراء هتا لندن أن تذكروننا بعظماء الاذاعة العربية من بى بى سى فى فترة العصر الذهبى