أدى إعلان الإمارات (ثم البحرين) «اتفاق سلام» مع إسرائيل إلى مجموعة من التداعيات السياسية في المنطقة العربية أدخلتها في حالة من السقوط الحرّ بحيث بدا أنه لم يعد هناك بلد عربيّ، بما فيها أكثرها مغالاة في إعلان العداء لإسرائيل، خارج هذه التداعيات، وهو ما انعكس بسرعة على المنظومة الرسميّة للبلدان العربية: الجامعة العربية.

بعد إسقاط اجتماع وزراء الخارجية العرب، في 9 أيلول/سبتمبر الماضي اقتراحا فلسطينيا يدين التطبيع، اعتبر الأمريكيون، على لسان جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومهندس «صفقة القرن» موقف الجامعة «تحوّلا مهما في الشرق الأوسط».

ردا على هذا الموقف اتخذت السلطات الفلسطينية في 22 أيلول/سبتمبر قرارا بالتخلي عن حقها في رئاسة مجلس الجامعة العربية للدورة الحالية، وبدلا من أن يهوي القرار الفلسطيني على أرض خلاء، فقد حرّك ديناميّة لم يكن يتوقع أحد قوّتها الرمزيّة، أو قدرتها على التعبير عن معنى فلسطين التي أراد حكام الإمارات والبحرين تجاهلها، ورد وزير الخارجية الفلسطينية رياض المالكي على نظرية «التحول المهم في الشرق الأوسط» بتوصيفه بما هو عليه فعلا: الانهيار، قائلا «فلسطين لن تتحمل عبء الانهيار وتراجع المواقف العربية والهرولة للتطبيع».

جعل الموقف الفلسطيني استلام منصب رئاسة الجامعة، في ظل «التراجع والهرولة» مخزيا، فاعتذرت قطر في 25 أيلول/سبتمبر عن عدم تسلم الدورة الحالية للجامعة عوضا عن فلسطين، ثم كرّت سبحة الاعتذارات، فرفضت الكويت أيضا استلام الرئاسة، وتبعتها لبنان، وجزر القمر، وصولا إلى ليبيا التي أعلنت أيضا في 6 تشرين الأول/أكتوبر رفضها تولي الرئاسة الدورية لجامعة فقدت الأسس التي قامت عليها وصارت تحت وطأة بلطجة أنظمة تتفاخر بالاتفاق مع إسرائيل وفتح الأجواء لها مقابل حصار قطر برا وبحرا وجوا، وبفتح الأبواب أمام شركات السلاح والتكنولوجيا والتجسس الإسرائيلي فيما توقف التعاملات التجارية مع تركيا (كما حصل في قرار سعودي مؤخرا) تاركة أبواقها تشهّر بالفلسطينيين فيما يكتب مغنوها الأغاني لتل أبيب!

تشرح قرارات رفض 6 دول رئاسة الجامعة العربية الحالة المزرية التي وصلت إليها، فبعد أن صار وقف المنكر ممنوعا على أعضائها، فلا بأس إذن بإبداء الرغبة في تغيير هذا المنكر إن لم يكن باللسان والقلب فبالاعتذار، فهذا، على ما يبدو، أضعف الإيمان في حالة الأمة العربية حاليا.

بعض المعلقين على حال الجامعة اقترحوا ساخرين تحويلها إلى صالة للأفراح غير دارين أن الجامعة التي رفضت إدانة المصالحة مع العدو على حساب الفلسطينيين، ماشية في ركب الاستهزاء بوظائفها، كما فعلت مؤخرا حين كرمت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أحد ملاكها الحصريين) بـ«درع العمل التنموي العربي لعام 2020» وهو الرئيس نفسه الذي قامت سلطاته بتهجير سكان الجزء المصري من مدينة رفح، والعمل على تهجير سكان جزيرة الوراق، والعمل حاليا جار على إخراج آلاف العائلات من منازلها المصادرة بفعل قانون المخالفات.

بتسليكها طريق الاتفاقات التطبيعية مع إسرائيل، وبتحويلها إلى جهة تتزلف للسيسي وحكام الإمارات والسعودية والبحرين، صار طبيعيا أن يصبح تولي رئاسة الجامعة في هذه الظروف أمرا مشينا تتهرّب منه حكومات دول عربية لا تريد أن يُحسب عليها هذا الموقف.

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً