انجلى الغم وزال الهم وانزاح كابوس ترامب الذي أدخل الفلسطينيين والعالم بأسره، خلال سنوات إدارته الأربع الماضية، مرحلة وصلت حواف الخطر في أكثر من مناسبة. طبعا هذا يبقى في حدود التمنيات، فالأمر مرتبط بمزاجه وقراراته المتسرعة، ما يعني أن الخطر لم يختف، وقد يفاجئنا بقرار ما مثل الاعتداء على إيران، يشعل فيه منطقة الشرق الأوسط بأكملها. ولنبقي على تفاؤلنا بأن ترامب سيرحل عن البيت الأبيض، رغم أنه يرفض حتى الآن الاعتراف بالهزيمة، ولم يجر الاتصال التقليدي بالرئيس المنتخب جو بايدن الديمقراطي لتهنئته بالفوز، ما قد يدخل المؤسسة السياسية الأمريكية الحاكمة، ومعها العالم في حالة من الفوضى.
ولكن لنفترض حسن النية، برحيل ترامب عن البيت الأبيض، الذي طغى فيه وتجبر، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتصرف مع زمرته الصهيونية في فلسطين وكأنها إحدى عزبهم، ونأمل أن يزول مع هذه الزمرة الخطيرة، أكثر عناصرها سوءا، وهو السفير المستوطن ديفيد فريدمان، الذي لم يزاول عمله كسفير لواشنطن في إسرائيل، بل كسفير للمستوطنين واليمين الفاشي الصهيوني العنصري، الأكثر عنفا في واشنطن، والناطق الرسمي الأكثر تطرفا باسمهم، كيف لا وهو الذي كان قبل تعيينه في منصبه، يقود حملة دعم المستوطنات التي يحتفظ في إحداها (مستوطنة بيت أيل شمال رام الله) بمنزل لنفسه، كما يحتفظ ايضا بشقة في حي الطالبية في القدس الغربية. لقد أخرج هذا السفير بتطرفه وعنصريته وفاشيته وكرهه للفلسطينيين، الرئيس أبو مازن، في أحد اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير،»عن طوعه، كما يقولون إلى حد أنه وصفه بـ»ابن الكلب». أليس هو الذي يطل علينا بين الحين والآخر بتصريحات يذكر فيها أن مخطط ضم 30% من مساحة الضفة إلى جانب شمال البحر الميت والأغوار الشمالية، لم يلغ كما زعم موقعو اتفاق التطبيع الإماراتيون، للترويج لاتفاقهم الخياني، وفي مقدمتهم طبعا عراب العلاقات مع دولة الاحتلال السفير في واشنطن يوسف العتيبة، ووزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، وغيرهما.
كل ما تقدم لا يعني على الإطلاق أن الأبواب أصبحت مفتوحة أمام الفلسطينيين، وأن الطرق ممهدة لتحقيق الحلم الفلسطيني، بزوال الاحتلال، ونيل الاستقلال، وأن الدولة المستقلة وعاصمتها القدس أصبحت في متناول اليد. لا.. فالطريق لا يزال طويلا، ورحلة الألف ميل لم تبدأ بعد، وأمام الإدارة الجديدة في البيت الأبيض قائمة طويلة من الإجراءات، كي تعيد الأمور فلسطينيا إلى نصابها، قبل تنصيب ترامب في 20 يناير/كانون الثاني 2017. والسؤال، هل هذا ممكن، هذا ما سيبينه المقبل من الايام أو الأسابيع.
على الفلسطينيين قبول العودة إلى طاولة المفاوضات، بشرط أن تكون محددة بسقف زمني تتمخض عنها دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو
يجب ألا يمنعنا ذلك من تذوق قليل من الفرحة، برحيل ترامب وفريقه الاستيطاني الصهيوني من جاريد كوشنير وآفي بيركوفيتش، الذي حل محل جيسون غرينبلات وفريدمان وغيرهم، ممن يعملون وراء الكواليس. وما يبعث على قليل من التفاؤل بوصول بايدن، على الرغم من تأكيده في مناسبات سابقة عديدة أنه صهيوني، هو إدخاله القضية الفلسطينية ضمن برنامج حملته الانتخابية، وهذا تطور لم يحصل أن أقدم عليه مرشح رئاسي من قبل، ويعود الفضل في ذلك لبيرني ساندرز وأنصاره داخل الحزب الديمقراطي، الذي انسحب من السباق لصالح بايدن للترشح عن الحزب الديمقراطي. وكذلك تحسس الحزب الديمقراطي للتغيرات والتحولات في أوساط الشباب الأمريكي، إزاء القضية الفلسطينية، طبعا بفضل نشاط حركة المقاطعة «BDS».
واضح أن أمريكا بايدن وعبر التصريحات الإيجابية ستعيد فتح الطريق أمام «مسيرة التسوية» وفتح باب المفاوضات وإعادة الأمل في حل الدولتين. ولكن على بايدن إن كان جادا بوعوده، واراد التحرك قدما في قضية الشرق الاوسط، وإنجاز السلام العادل المنشود في المنطقة، أن يبدأ من حيث انتهى رئيسه باراك أوباما في نهاية عام 2016 والعودة إلى القرار2334 وهو القرار المناهض للاستيطان والاحتلال، الذي سمحت إدارة أوباما بتمريره في مجلس الأمن، بامتناعها عن استخدام الفيتو، والاكتفاء بالامتناع عن التصويت، لكن وكي تحقق ذلك وتستعيد واشنطن بعضا من الثقة بمصداقيتها، لا بد من التراجع عن القرارات الترامبية/ الصهيونية المجحفة الرامية لتصفية القضية الفلسطينية:
أولا، الاعتراف في ديسمبر/كانون الأول2017 بالقدس عاصمة للاحتلال.
ثانيا، نقل السفارة الامريكية في 14 مايو/أيار من تل أبيب إلى القدس.
ثالثا، دمج القنصلية الأمريكية العامة في القدس الشرقية بالسفارة تحت اسم دائرة «وحدة الشؤون الفلسطينية». وكانت هذه القنصلية مسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين، كبعثة دبلوماسية لها كيان مستقل عن السفارة في تل أبيب المسؤولة عن العلاقات مع إسرائيل. ويذكر أن القنصلية تأسست في القدس عام1844 كأول تمثيل دبلوماسي أمريكي في المدينة.
رابعا، قطع المساعدات الأمريكية عن السلطة.
خامسا، قطع المساهمة الأمريكية في ميزانية وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وقدرها360 مليون دولار، ما أوقع الوكالة في أزمة مالية تعاني منها حتى الآن، وذلك في محاولة لإسقاط موضوع اللاجئين إنسانيا وسياسيا. وعدم الاعتراف بذرية من هجروا عام 1948 كلاجئين وعددهم حوالي 5.5 مليون نسمة، والاعتراف فقط بنحو40 ألفا، وهم الباقون ممن رحلوا خلال النكبة.
سادسا، إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
سابعا، شرعنة الاستيطان في الأراضي المحتلة، بإلغاء سياسة أمريكية قائمة منذ عقود عديدة، تعتبر المستوطنات غير قانونية وفقا للقانون والشرعية الدوليين.
ثامنا، قتل ما يسمى حل الدولتين عبر صفقة القرن التصفوية، بالقضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس، وحدود وأجواء معترف بها. والسماح بضم 30% من الضفة، إضافة إلى الأغوار الشمالية وشمال البحر الميت.
تاسعا، منح الاحتلال السيادة الأمنية الكاملة على فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر.
أما الفلسطينيون فليس عليهم سوى الصبر والانتظار وقبول العودة إلى طاولة المفاوضات، بشرط أن تكون هذه المفاوضات ذات مغزى ومحددة بسقف زمني تتمخض عنها دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران وعاصمتها القدس الشرقية. ورفض المماطلة والتسويف.
واختتم بسيناريو يعكس مشهدا كوميديا، لمايكل كوهين المحامي السابق لترامب الذي ادخل السجن اواخر2018 ولثلاث سنوات بتهم منها مخالفات تتعلق بتمويل حملة ترامب الانتخابية، وأفرج عنه في مايو/أيار الماضي بسبب تفشي كورونا، ويتوقع كوهين الذي انقلب على سيده وكشف أسراره، ألا يعود ترامب إلى البيت الأبيض بعد عطلة عيد الميلاد، التي يقضيها عادة في منتجع مار ألاغو في ولاية فلوريدا. وحسب كوهين فإن ترامب عادة ما يعود من المنتجع في 5 أو 6 من يناير مشككا في أن يعود هذه المرة كما المعتاد. ويتوقع أيضا ألا يشارك ترامب في حفل تنصيب الرئيس المنتخب، لأنه يدرك أن الكاميرات ستسلط عليه، وأن العالم ينظر إليه ويرى فيه الرئيس الخاسر… وهذا لا يمكنه قبوله. ومايكل كوهين محام عمل لدى ترامب من عام 2006 وحتى مايو 2018، وبعدها بشهر بدأ تحقيق فيدرالي ضده، أدى إلى اعترافه بتهم عدة تتعلق بمخالفات تمويل الحملات الانتخابية، والتزوير الضريبي والتزوير المصرفي. وفي بيانه أمام المحكمة أشار كوهين إلى أنه خالف قوانين تمويل الحملات الانتخابية بالتنسيق مع وبتوجيه مرشح لمنصب فيدرالي، قاصدًا دونالد ترامب، لغرض رئيسي هو التأثير في انتخابات 2016 . وسبق لكوهين العمل نائب رئيس لمنظومة ترامب التجارية، وكان مستشارا خاصا، وكان عضوا في مجلس إدارة مؤسسة إريك ترامب، وهي منظمة خيرية لصحة الأطفال. يذكر أن مواقع إعلامية عدة بثت مقطعًا صوتيا مسجلًا عثر عليه فريق «أف بي آي» يناقش فيه ترامب وكوهين دفع مبلغ مالي لشراء حقوق كتاب كارين مكدوجال، عارضة بلاي بوي، تدعي فيه أن ترامب أقام معها علاقة جنسية.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
علي الصالح