الكاتب: الاستاذ الدكتور محمد علي الفرا

أود أن ابدأ مقالي هذا بالسؤال : هل كانت القضية الفلسطينية منذ البداية قضية وطنية تخص الفلسطينيين وحدهم , ام كانت قضية قومية يعدها العرب جميعاً قضيتهم ؟ وأذا كانت اليوم اتخذت طابعاً وطنياً فهل كانت قبل ذلك ذات طابع قومي , ومتى حدث هذا التحول وما اسبابه وتداعياته , وهل هناك مبررات تستدعي ان تكون قومية ؟

ربما كان من الافضل الاجابة على السؤال الاخير اولاً  لقناعتي بأن القضية الفلسطينية يجب ان تكون قومية وذلك لخصوصيتها واختلافها عن جميع القضايا العربية الاخرى , ولذلك لا بد من اعطاء نبذه تاريخيه تبين اسباب قومية هذه القضية.

من المعلوم للجميع ان الاستعمار الاوروبي , وعلى رأسه بريطانيا , وتحالفه مع الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر اختار فلسطين لإقامة كيان صهيوني فيها لتحقيق عدة اهداف لعل من اهمها منع قيام وحده عربية , وفصل مصر عن محيطها العربي والذي يعد مجالها الحيوي منذ عهد الفراعنة والذين ادركوا بعد حملة قمبيز الفارسي إلى مصر واحتلالها عام 500 ق.م ان امن مصر لا يتحقق إلا بالسيطرة على حدودها الشرقية , ولضمان ذلك لابد من مد نفوذها ليشمل فلسطين وجنوب لبنان , وقد تحقق لهم ذلك , وعلى هذا النهج سارت جميع الدول التي قامت في مصر , ومنها الفاطميون والايوبيون والمماليك الذين مدوا نفوذهم ليشمل الديار الشامية كلها , واخيرا جاء محمد علي باشا الذي استولى على السلطة في مصر عام 1805 م ورأى ان قوة مصر لا تتحقق إلا بالاستيلاء على فلسطين وسوريا لأن هذه الاقطار تعد المجال الحيوي لمصر , فأرسل ابنه ابراهيم باشا ليحتل الديار الشامية ومنها يشق طريقه الى تركيا , فتحركت القوى الاوروبية الكبرى بزعامة بريطانيا وارسلت اسطولاً حربياُ بقيادة كودرنجتون البريطاني وضرب الجيش المصري في بيروت واجبر ابراهيم باشا للانسحاب , وفي عام 1840 عقد مؤتمر لندن الذي  فرض على مصر العودة الى حدودها , وفي هذا الوقت بدأ التفكير بضرورة انشاء كيان عازل Buffer State   لعزل مصر عن محيطها العربي وحرمانها من مجالها الحيوي , وحينما تزايدت حدة المسألة اليهودية في اوروبا وبخاصة في بريطانيا بسبب حدوث هجرات يهودية كثيرة من روسيا متجهة صوب بريطانيا ودول اوربية اخرى .

عقد رئيس وزراء بريطانيا في عام 1903 ارثر بلفور ( صاحب الوعد المشؤوم الذي صدر فيما بعد , اي عام 1917 ) مؤتمرا لأجل حل المسألة اليهودية , واستدعى ثيودور هيرتزل رئيس الحركة الصهيونية انذاك ليبدي رأيه , فنصح هيرتزل بإقامة كيان صهيوني في فلسطين وتحويل مسار الهجرات اليهودية اليها وان هذا الكيان كفيل بتحقيق مصالح بريطانيا , وفي عام 1905 خلف هنري بنرمان , بلفور في رئاسة الحكومة البريطانية وعقد مؤتمراً اوربياً تبلورت قرارته عام 1907 والتي نصت على ضرورة اقامة كيان صهيوني في فلسطين هدفه الاساسي منع قيام وحده عربية تكون خطراً على اوروبا , مستذكرين الفتوحات العربية الاسلامية واحتلال اسبانيا وبلدان في جنوب القارة الاوروبية وسيطرتهم الكاملة على البحر المتوسط .

بعد هذه المقدمة التاريخية  التي كان لابد منها لإثبات اهمية قومية القضية الفلسطينية , نجيب على السؤال الأول وهو : هل كانت القضية الفلسطينية منذ بدايتها قطرية او قومية ؟ فنجيب بأنه منذ احتلال بريطانيا لفلسطين عام 1918 ثم اخضاعها لسلطة انتداب بريطاني عام 1921 وقيام انتفاضات وثورات فلسطينية بدءاً بإنتفاضة 1921 وثورة البراق عام 1929 وثورة القسام 1935 والثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 واستمرت حتى عام 1939 والتي شارك فيها متطوعون من جميع الاقطار العربية كما هو معلوم للجميع , مما اعطى للقضية الفلسطينية بعداً قوميا ً , ولكن على المستوى الشعبي فقط.

اما على المستوى الرسمي فإن القضية الفلسطينية بدأت تصبح قضية عربية منذ عام 1939 , حينما دعت بريطانيا بصفتها الدولة المنتدبة على فلسطين عدداً من الدول العربية الى لندن للتدوال والنظر في القضية الفلسطينية , وهي مصر والسعودية واليمن وشرق الاردن , ومن المعلوم ايضاً ان عدداً من ملوك وامراء ورؤساء دول عربية وجهوا نداءاً مشتركاً الى الفلسطينيين لإنهاء الإضراب الذي استمر نحو ستة شهور – اي من 16 ايار/ مايو 1936 حتى 12 تشرين الاول / اكتوبر من العام نفسه , بناءاً على وعد بريطانيا لهم بحل عادل للقضية الفلسطينية .

ولما قامت جامعة الدول العربية عام 1945 , كانت القضية الفلسطينية اول القضايا المطروحه امامها , ولم يكن يخلو اي اجتماع من اجتماعاتها إلا والقضية الفلسطينية على اجندتها , ولكن للأسف لم تكن قادرة على تنفيذ اي قرار تتخذه , ولا حتى قبول اي عضو  إلا بموافقة بريطانيا , وعلى سبيل المثال لم تقبل عضوية موسى العلمي فيها كممثل لفلسطين إلا بعد ان أحضر كتاباً بالموافقة من الجنرال كلايتون Clayton   مدير المخابرات البريطاني في الشرق الاوسط والمقيم بالقاهرة انذاك.  وكمعاصر لتلك الفترة فإن دخول الجيوش العربية الاراضي الفلسطينية كما قيل لتحرير فلسطين  , كان بقرار بريطاني , فالهيئه العربية العليا لفلسطين انذال لم تنصح بدخول قوات نظامية وانما بتزويد الفلسطينيين بالمتطوعين والسلاح والعتاد لأن ذلك لا يلزمها بالتقيد بالقرارات الدولية التى تلزم القوات النظامية التابعة للدول , ووافقت الجامعة العربية على ذلك وعينت اللواء اسماعيل صفوت باشا , وهو عراقي ليكون رئيساً للجنة العسكرية ومسؤولاً عن تزويد الفلسطينيين بالعتاد والسلاح , وللأسف فإنه لم يقم بما كلف به , ذلك انه حينما ذهب القائد الفلسطيني عبدالقادر الحسيني قائد جيش الجهاد المقدس الى دمشق لطلب العتاد والسلاح , وكانت معركة القسطل على اشدها ,  لم يجبه على طلبه وعاد بخفي حنين , وتمكن من تحقيق انتصار اولي , ولكن استشهد وسقطت القسطل في الثامن من شهر نيسان / ابريل 1948.

كان من ضمن اوامر بريطانيا للجامعة العربية استبعاد الفلسطينيين من الاشتراك في الحرب , وتنفيذاً لذلك فإنه بمجرد دخول الجيش المصري فلسطين اذكر جيدا صدور بيان كان هذا نصه : " نحن احمد حشمت باشا , مدير عام سلاح الحدود الملكي المصري والحاكم العام للأراضي الفلسطينية الخاضعة لرقابة القوات القوات المصرية , امرنا بما هو ات ... " وتضمن البيان حل اللجان القومية التي كانت تتولى الدفاع عن المدن والقرى الفلسطينية من اعتداءات العصابات الصهيونية وجمع اسلحتها .

بمجرد انتهاء الحرب والتي اسفرت عن هزيمة الجيوش العربية , ولذلك سميت بالنكبة , سارعت دول عربية بالاتصال مع اسرائيل عبر قنوات سرية بعقد صلح معها والتخلص من عبء القضية الفلسطينية , وكان الملك فاروق اول من قام بالاتصال حينما ارسل ممثله الشخصي " كمال رياض " لمقابلة " الياهو ساسون " رئيس دائرة الشرق الاوسط بالخارجية الاسرائيلية , وبعد ذلك قام الزعيم حسني الزعيم عقب قيامه بأول انقلاب عسكري في سوريا في اذار/مارس 1949 بالإتصال بإسرائيل عن طريق الدكتور " بانش " الوسيط الدولي بفلسطين الذي خلف " برناروت " بعد اغتياله من قبل عصابات يهودية في ايلول /  سبتيمبر 1948 وتوالت الاتصالات العربية الرسمية بإسرائيل , ولكن رئيس وزراء اسرائيل انذالك " بن غوريون " كان يرفض الصلح مع العرب قائلاً " بأن اسرائيل لم تحقق اهدافها التي تسعى إليها , وانه لايمكن قبول اي صلح إلا بعد تحقيق تلك الاهداف " .

نخلص من هذا : ان القضية الفلسطينية لم تكن من الناحية العملية عربية بالمفهوم القومي كما يجب ان تكون إلا على المستوى الشعبي  , وكانت معظم الانظمة العربية وقادتها العرب يستخدمون القضية كقميص عثمان لتحقيق اهدافهم ومصالحهم الشخصية , وكان كثير من قادة العرب لا يرحبون بقيام كيان فلسطيني إلا بعد ان اصبح عبء القضية يستدعي ذلك , و حينما قررت اسرائيل تحويل مجرى نهر الاردن , دعا الرئيس جمال عبدالناصر لعقد اول اجتماع قمة عربية عام 1964, وفي هذا الاجتماع عُهد الى الزعيم الفلسطيني احمد الشقيري بإجراء مشاورات مع الفلسطينيين المقيمين في البلاد العربية لإقامة كيان فلسطيني , واسفرت هذه اللقاءات والمشاورات عن انشاء منظمة التحرير الفلسطينية , وقام الشقيري معتمداً على خبرته القانونية بصياغة ميثاق المنظمه يؤكد فيه على قومية القضية الفلسطينية , واطلق عليه " الميثاق القومي الفلسطيني " وانشأ اطر وهياكل المنظمه مثل النظام الاساسي والمجلس التشريعي ومركز الابحاث والجيش الفلسطيني ...الخ

وللاسف فإن الميثاق تحول من قومي الى وطني في عهد الرئيس ياسر عرفات وشطبت منه البنود التي لها علاقة بالكفاح والنضال وذلك استجابة لمتطلبات اتفاق اوسلو السيئ عام 1993 الذي سنأتي على ذكره فيما بعد.

اما تحول القضية الفلسطينية من قومية الى وطنية فقد قمت برصده والاعلان عنه بمقال في جريدة القبس الكويتية في عام 1974 وهو العام الذي عقدت فيه قمة الرباط بدعوة من ملك المغرب انذاك الحسن الثاني , والذي كان من قرارته ان اصبحت منظمة التحرير الفلسطينية دون سواها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني , واحب ان اسجل هنا بأنني في مقالي في جريدة القبس قلت بأن هذا القرار مؤشر خطير نحو تحول القضية من قومية الى وطنية , ويبدوا انني كنت مصيباً في ذلك , فقبيل وفاة احمد الشقيري عام 1980 وجه له وزير خارجية الكويت انذاك الشيخ صباح الاحمد الصباح الذي اصبح اميراً لدولة الكويت , دعوة لزيارة الكويت ونزل بفندق هيلتون ومنه اتصل بي  يطلب مني الحضور , فذهبت اليه وكان وحيداً وتحدث معي في القضية الفلسطينية وذكر مؤتمر الرباط وقرار جعل المنظمه دون سواها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني , وقال انه سبق أن عرض عليه ذلك ولكنه رفض لانه لا يريد ان تتحول القضية من قومية الى قطرية لانه يعني فك ارتباط العرب بالقضية وتحررهم من مسؤولياتهم نحوها , وفي الوقت نفسه لا يريد تحميل الشعب الفلسطيني سقوط الضفه الغربية وقطاع غزة   , فالضفة كانت جزءاً من المملكة الاردنية الهاشمية وهي اقدر على استرجاعها , وان قطاع غزة كان تحت الادارة المصرية , وان مصر مكلفة باسترجاعه .

وعن خفايا ما جرى في مؤتمر قمة الرباط عام 1974 ذكر الصحفي البارز المرحوم محمد حسنين هيكل في كتابه ( سلام الاوهام ) الجزء الثالث صفحة 43 – 45 بأنه حينما نوقش مشروع القرار تحدث الملك حسين وقال بأن الاردن اخر من يعترض على حق الفلسطينيين في ان يتحدثوا عن انفسهم وانما هناك قضية امانة تاريخية ومسؤولية حقائق مستقبلية , وبالنسبة للامانة فإن هذه الاراضي الفلسطينية ( الضفه والقدس ) كانت عند المملكة الاردنية عندما احتلتها اسرائيل , ويشعر الاردن بواجب ان يتحمل امانة استعادتها , وان الاردن اكثر من غيره قادر  على استعادة الاراضي الفلسطينية فهو الطرف المعني بقرار مجلس الامن 242 الذي لا يجيز  الاستيلاء على الاراضي بالقوة ... الخ

ولما ادرك الملك الحسن معارضة عدد من القادة العرب للقرار هدد بالانسحاب والخروج وقال انه حزين لهذا الموقف , ولكن يرجوهم ان يعتبروا البلد بلدهم والقصر قصرهم... هم اصحابه وهو الضيف عليهم , وتعالت الاصوات والنداءات تطلب من الملك ان يبقى في الجلسة .

واذكر ان هيكل قال ايضاً ان الملك الحسن طلب الاختلاء بالرئيس السادات , وفي هذه الخلوة قال للسادات : لقد ارسلت مندوبك حسن التهامي ليجتمع بوزير الدفاع الاسرائيلي , موشيه دايان , وتمت عدة لقاءات هنا في الرباط , وكان هدفك التوصل الى حل منفرد مع اسرائيل , فكيف يكون ذلك والقضية الفلسطينية مسؤولية عربية وذلك ما يقيدك . فاذا القيت القضية على عاتق منظمة التحرير الفلسطينية فعندها تصبح حرا وتفعل ما تشاء , وتقبل السادات هذه النصحية , اما الملك حسين والذي اختلى به هو الاخر فقد رفضها وقال ان القادة العرب اذا اجمعوا على ذلك فهو لن يخرج عن الاجماع العربي .

وكان الرئيس عرفات من اكثر الداعمين لهذا القرار والفرحين لصدوره , ويبدو لي انه لم يكن يعلم أن ذلك القرار كان وراءه الداهية كيسنجر الذي كان انذاك مستشار الرئيس الامريكي نيكسون للامن القومي  ثم وزيرا للخارجية الامريكية , وكان كيسنجر يقول أن حل القضية الفلسطينية لا يتحقق الا بفك ارتباطها كمسؤولية عربية لا يجرؤ احد من حكام العرب التصرف وحده بها , وانه لا بد من تحميل القضية الى الطرف الاضعف والمتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية وللاسف وقع عرفات في هذا الفخ واوقع الشعب الفلسطيني معه .

حينما نشبت خلافات في لبنان وتعرضت منظمة التحرير لنزاعات تطورت الى تورط سوري وذلك في الثمانينات من القرن الماضي رفع الرئيس ياسر عرفات شعار القرار الفلسطيني المستقل , وقد قال كثيرون بأنه لم يكن يقصد فك ارتباط القضية عن عروبتها ولكن استغل هذا الشعار لغير صالح عروبة القضية .

ربما كان من الاخطاء الكبيرة التي ارتكبها عرفات والحقت الضرر بالمنظمة وبالفلسطينيين انحيازه لصدام حسين حينما احتل الكويت , وكان من المفروض أن يلتزم الحياد , وكنت انذاك استاذا بجامعة الكويت وقد ساءني هذا الانحياز واجتمعت بعدد من الفلسطينيين وتداولنا الامر ووجدنا أننا يجب ان نسلك ما سلكته الجزائر في اثناء ثورة تحريرها فابعدت نفسها عن الانخراط في المشاكل والنزاعات العربية , ونحن كفلسطينين مشتتين في سائر البلاد العربية والعالم يجب ان نبعد انفسنا عن الانحياز لاي طرف لانه يلحق الضرر بنا وهذا ما حدث للفلسطينين بعد ذلك في الكويت واقطار الخليج , والحق الضرر بمنظمة التحرير الفلسطينية نفسها وبشخصية ياسر عرفات . وبدأت المنظمة تتعرض للمضايقات وحتى في  مقرها في تونس وتم اغتيال عدد  من قادتها وعلى راسهم صلاح خلف وابو الهول في كانون الثاني /يناير 1991 , ومن قبله خليل الوزير عام 1988 .

كان من نتيجة تهميش منظمة التحرير الفلسطينية أن فقدت وزنها وتقديرها لدى الانظمة العربية ولما عقد مؤتمر السلام في مدريد في الثلاثين من شهر تشرين اول/ اكتوبر 1991 لبحث تداعيات حرب الخليج أو ما سمي بمشكلة الشرق الاوسط دعيت دول منها مصر والاردن ولم تدع المنظمة , وكان المؤتمر برعاية الرئيس الامريكي انذاك جورج بوش الاب , ورئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف . ووافق الاردن لوفد من منظمة التحرير الفلسطينية أن يحضر المؤتمر تحت مظلته. وبرئاسة الدكتور عبد السلام المجالي . واتصل الرئيس عرفات بأبن العم الدكتور محمد الفرا ليرأس الوفد الفلسطيني بحكم خبرته الطويلة في الامم المتحدة ورئاسته للوفد الاردني منذ خمسينيات القرن الماضي  وكان رد الدكتور محمد الفرا بأن طلب من عرفات بأن يتصل باصدقائة الامريكان للضغط على اسرائيل بوقف الاستيطان , لانه لا معنى من مفاوضات سلام والاستيطان في الاراضي المحتلة , فقال له عرفات أنا لا احب أن يضع علي اي شخص شروطا واعتذر الدكتور الفرا عن المهمة فكلف عرفات الدكتور حيدر عبد الشافي برئاسة الوفد فقبل .

كان حيدر عبد الشافي وهو طبيب معروف في غزة وعلاقتي به وباخوانه طيبة جدا .وهو شخص قدير ومخلص ونزيه ووطني غيور وذو توجهات ليبرالية علمانية . واظهر الوفد الاسرائيلي تصلبه في مواقفه . وفي هذه الاثناء فتحت منظمة التحرير قناة سرية عبر اوسلو للاتصال باسرائيل . ودون الدخول بالتفاصيل وأن الوفد الفلسطيني المفاوض في اوسلو لم يكن يملك الخبرة القانوينة الكافية ولكن استعان في وقت متأخر بخبير قانوني مصري على حسب ما سمعناه . وفي اثناء اللقاءات سأل شيمون بيريز الذي كان انذالك وزيرا للخارجية في حكومة اسحق رابين , سأل المستشار القانوني الاسرائيلي : سافير ماذا يريد الفلسطينيون ؟ فقال هم يريدون الدخول , فقال : هل وضعوا شروطا مثل القدس والاستيطان والمياه واللاجئين ؟ قال لا , فقال له ما رايك انت , فرد سافير قائلا نكون حميرا ان لم نسمح لهم بالدخول لانهم سيكونون تحت سيطرتنا .

وفي الثالت عشر من شهر ايلول / سبتمبر 1993 تم عقد اتفاق اوسلو في البيت الابيض برعاية الرئيس بيل كلنتون ونص الاتفاق بالبدء بما يسمى اريحا /غزة اولاً , اي تنسحب اسرائيل منهما اولا , وكنت قد كتبت قبل الاتفاق  مقالا في الدستور في الحادي والثلاثين من اب / اغسطس 1991 عنوانه من اريحا على النهر الى غزة على البحر تحقق الشعار الذي نادت به فتح سابقا وهو تحرير فلسطين من البحر الى النهر , اي فلسطين بالكامل . وفيه ابديت اعتراضي على الاتفاق وقلت بأن لهذا الاتفاق نتائج خطيرة لعل من اهمها أنه اعطى المبرر لانظمة عربية لها علاقات سرية مع اسرائيل او تنوي بعمل علاقات معها بأن تعلن عن اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع اسرائيل وبذلك تكون المنظمة وكأنها فتحت الباب امام هؤلاء الراغبين في التقارب مع اسرائيل .

وقد عارض الاتفاق عدد من اعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومنهم من علق عضويته فيها مثل شفيق الحوت ومن الذين عارضوا الاتفاق انذاك عباس زكي عضو اللجنة المركزية بفتح في مقابلة له بجريدة الدستور في العشرين من اب /اغسطس 1993 حيث قال : نحن في مرحلة الانحراف القومي والتخبط والارتجال التنظيمي .

لا شك أنه باتفاق اوسلو تحقق وتأكد تحول القضية الفلسطينية من قضية قومية الى قضية وطنية تخص الفلسطينيين دون سواهم وتحول العرب من شركاء في القضية الى وسطاء لها , وتغير مفهوم الصراع والنزاع من كونه نزاعا او صراعا عربيا اسرائيليا الى صراع ونزاع فلسطيني اسرائيلي اما نتائج وتداعيات اوسلو على القضية الفلسطينية فنحن نعيشها هذه الايام وتستحق مقالا او مقالات لبحثها وتحليلها .

 

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً