أورويندسور- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع

قامت طائرة طوافة يوم الأحد الماضي بهبوط أخير فوق المياه البراقة ورؤوس النباتات الخضراء في هايدا غواي قبالة ساحل كولومبيا البريطانية، فنظرت إسراء العيسى من النافذة واجتاحتها العواطف دفعة واحدة، حيث قالت: "رأيت الكثير من السحر والجمال، فشعرت بسعادة لم أعش مثلها من قبل".

ففي الوقت الذي تم فيه تقنين الوصول إلى سلسلة الجزر الوعرة التي تشتهر بأشجارها العتيقة التي تعود لآلاف السنين وقراها القديمة وذلك بسبب انتشار كوفيد-19، منح مسؤولون في الحكومة الفيدرالية ومجلس أهالي هايدا المحلي إذناً بدخول تلك الجزر للسيدة إسراء وزوجها مصطفى علي، وأولادهما الثلاثة، سارة: خمس سنوات، وحسن ثلاث سنوات وتاليا سنتان، وجميعهم لاجئون سوريون، وقد مول تلك العملية جمعية "مواطنون من نوع" خاص في هايدا غواي.

وبمجرد أن هبطت طائرتهم وأثارت حولها الكثير من الرذاذ بالقرب من سرب من طيور الدوار في حوض السفن التابع لقرية الملكة شارلوت، اكتشفوا بأن بيتهم الجديد لم يختلف عن البيت الذي تركوه بشيء، إذ بعدما هرب الزوجان -وكلاهما أصلهما من حلب- من الحرب التي دمرت سوريا وذلك في عام 2013، أسسا أسرة في لبنان التي لم تلبث إلا أن تعرضت لاضطرابات أهلية.

 

وكان من بين من رحبوا بتلك الأسرة في حوض السفن يوم الأحد الماضي بينغ فافرو، وهي إحدى المنظمات لدى جمعية Operation Refugees Haida Gwaii، وهي المنظمة الممولة لتلك العملية، وكذلك آية  سرحان البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً، وآلاء سرحان وعمرها عشرة أعوام، وكلتاهما من أسرة سورية أخرى قام أهالي هايدا غواي بتمويل إقامتها ونقلها إلى تلك الجزيرة في عام 2016، حيث انخرطت كلتاهما بالترجمة الفورية في تلك المناسبة.

وهنا تتذكر فافرو كيف خرجت إسراء مع أسرتها من الطائرة وهم يحملون أمتعة وحقائب ملونة ويقولون: "شكراً لكم، شكراً لكم، إننا بغاية السعادة لقدومنا إلى هنا، إننا في غاية السعادة لأننا أصبحنا بأمان".

وتروي لنا فافرو بأنه بمجرد أن رأت تلك الأسرة قد وصلت انتابها إحساس بالارتياح، فقد كلل وصولهم عملية تمويل امتدت لسنتين تخللتها عقبات لوجستية، وجمع تبرعات، وسلسلة لا تنتهي من المعاملات الرسمية، إلى جانب الأزمة الصحية العالمية خلال الأشهر الماضية.

وهنا تقول إسراء: "يا إلهي! لقد تنفست الصعداء عندما رأيتهم البارحة، فقد استغرق الأمر سنتين لتتحول هذه الاستمارة من ورق إلى أشخاص نراهم بأم أعيننا".

 

وبسبب القيود على السفر، هبطت عمليات إعادة توطين اللاجئين ومن هم تحت الحماية في كندا بنسبة 83% خلال المراحل الأولى لانتشار الجائحة، حيث تم توطين 2685 لاجئا ما بين شهري نيسان وحزيران، مقارنة بـ14570 لاجئا خلال الفترة ذاتها من العام المنصرم.

إذ كان من المفترض أن تصل هذه الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد إلى كندا في منتصف شهر آذار/مارس، إلا أن المطار أغلق وألغيت الرحلات قبل يومين من موعد مغادرتهم للبنان.

 

وتتذكر إسراء ما جرى فتقول: "لقد بكيت كثيراً، وتعبت فكرياً وعاطفياً، إذ صرت أغضب لأي سبب وأحس وكأني أختنق بسبب تأجيل كل الأمور".

وأخيراً علمت تلك الأسرة في مطلع شهر آب بأنه تمت عملية إعادة حجز تذاكر طيران لهم، وحول هذا تعلق إسراء بالقول: "لم أطق الانتظار حتى أتى يوم رحيلنا. إذ عندما كنا في لبنان، كنت أقول لأولادي كل يوم بأننا سنسافر إلى كندا، وبأنهم سيدرسون هناك ويتعلمون الإنكليزية، وكان ثلاثتهم بغاية الحماس لذلك، لذا عندما ركبنا الطائرة أخيراً، لم يبد أي منهم أي خوف أو وجل، لأننا حاولنا أن نجهزهم نفسياً لتلك اللحظة، وهكذا كانوا بغاية الحماسة طيلة الرحلة، إذ ما فتئوا يقولون: نريد أن نرى بلدنا".

وترى فافرو بأنه لم يكن بوسعها أن تقوم بذلك لولا المساعدة التي قدمها لها متطوعون آخرون.

إذ بدأت رحلة تلك الأسرة من بيروت يوم الأربعاء الماضي، وبعد توقف لمدة أربع ساعات في مدينة فرانكفورت بألمانيا، سافرت الأسرة إلى فانكوفر. وبعدما أمضوا ليلتهم في فانكوفر سافروا إلى برنس روبرت، حيث قضوا ليلتين بسبب سوء الأحوال الجوية.

ثم تواصلت جودي ويلي من أهالي هايدا غواي والتي تقيم في برنس روبرت مع فندق محلي لترتيب أمور إقامة تلك الأسرة، فقد عملت سابقاً كمدبرة منزل لدى أسرة سورية كانت قد ساهمت في تمويل عملية انتقالها، ولهذا أعدت تلك الأسرة أطعمة صنعتها في البيت.

وتعلق ويلي على ذلك بالقول: "إننا نتمتع بهذا النوع من العلاقات هنا في الشمال، إذ لدينا مجتمع متقارب وحميمي، حيث يمكننا أن نتعاون سوية على مساعدة بعضنا البعض".

هذا وقد أتى أيضاً الأستاذ عرفان زهري الذي يعمل لدى كلية كوست ماونتن وكان في الماضي يقيم في لبنان، وذلك ليرحب بتلك الأسرة التي نزلت في ذلك الفندق، فيروي لنا بأن علي الذي يعمل ميكانيكياً كان لديه فضول كبير ليعرف أين تقع شركة مرسيدس، ففي لبنان كل سيارات الأجرة من نوع مرسيدس، ثم قال لنا وهو يضحك: "قلت له إذا توجهت إلى فانكوفر فسترى الكثير من سيارات مرسيدس".

وبالعموم كانت الروح المعنوية لتلك الأسرة عالية.

وحول ذلك يعلق الأستاذ زهري بالقول: "انطباعي الأول عن تلك الأسرة هي أنهم مستعدون للتغلب على كل شيء، وهم متحفزون للغاية لبدء حياة جديدة بعد المصاعب التي عانوا منها في لبنان".

أما فافرو فذكرت أنها شعرت بشيء من القلق حيال طريقة تعامل تلك الأسرة مع المرحلة الأخيرة من رحلتهم بين برنس روبرت وهايدا غواي على متن طائرة طوافة صغيرة.

 

وذكرت أنها طلبت من إسراء أن تتخيل أنها في مدينة ملاهي، وبذلك سيتبدد أي توتر أو قلق قد يظهر عليها، ثم إن شقيقها الذي يعيش في برنس جورج بكولومبيا البريطانية أتى إلى كندا كلاجئ أيضاً، وأرسل لها صوراً لجزيرة هايدا غواي.

إلا أن مشاهدة الجزيرة على أرض الواقع شيء آخر.

حيث تقول فافرو: "عندما رأيت تلك الجزيرة من الطائرة، كانت الألوان بغاية الروعة ونابضة بالحياة، والبحر بغاية الجمال، لذا شعرت بسعادة غامرة وأنا على متن الطائرة".

ثم أوصلت فافرو تلك الأسرة بالسيارة إلى بيتهم الجديد، المؤلف من غرفتي نوم تحتويان على أثاث كامل ويسودها إحساس بالدفء، وقد أقيمتا ضمن الطابق الأرضي بالقرب من جدول ماء، وهناك ستمضي تلك الأسرة فترة الحجر الصحي التي تمتد لـ14 يوما، وهنا خيم شيء من الهدوء على وجوه أفراد تلك الأسرة كما ذكرت فافرو.

إذ عندما توجهت الأسرة إلى بيتها الجديد، حياهم الناس عبر إطلاق البالونات وتقديم كعكة للترحيب بهم إلى جانب علبة شوكولا.

ثم أخذ الأولاد يركضون في كل اتجاه بكل حماسة، ويخمنون من الذي سينام في كل سرير. وقبل ذلك كان أهالي الجزيرة قد تبرعوا بمجموعة كاملة من الألعاب لينشغل الأطفال بها عن التفكير بأي شيء آخر.

وبعد ذلك أتت عائلات سورية أخرى تعيش في هذه المدينة بصحن كبير من الأرز مع الدجاج المطبوخ بالإضافة إلى السلطة والحلويات السورية.

وتخبرنا فافرو عما جرى حينها فتقول: "لم يقدر أفراد تلك الأسرة إلا أن يقولوا: واااو عندما رأوا كل ذلك، دون أن يكفوا عن شكرنا".

وحسبما ذكرت فافرو فإن هنالك شيئا واحدا تقدره أيما تقدير عند مساعدتها لأسرتين سوريتين لاجئتين، وهو أن تلك العائلات تقدم الكثير مقابل ذلك، وهذا ما تؤكده بقولها: "إنهم يشاركوننا ثقافتهم، وقصصهم، ونحن نشاركهم بالقصص الكندية، وهذا إن فكرت فيه يبدو أشبه بشارع ذي اتجاهين، فالأمر ليس مجرد جلب أشخاص ودمجهم في الثقافة الكندية، بل علينا أن ننفتح عليهم وعلى شخصياتهم وثقافتهم".

وأشارت فافرو بأن أطفال العائلة السورية الأولى التي ساهمت بتمويلها ينادونها بنانا.

 

أما إسراء، فبعدما تذكرت رحلتها مع أسرتها يوم الإثنين قالت لنا: "لا أحد يتمنى أن يترك بلده، لكننا أجبرنا على ذلك، فلقد رأيت الكثير من الموت أمام عيني، فاعتلت صحتي العقلية، إذ بكينا كثيراً، إذ كنا نرى الجثث بشكل يومي، ثم تدمر بيت جيراننا بسبب غارة جوية كما تضرر بيتنا بسببها كثيراً، فأصبحت حياتنا لا تطاق هناك".

وعندما تفكر في المستقبل تحس إسراء بحماسة تجاه تعلم الإنكليزية وتجاه أولادها الذين تحلم أن يتلقوا تعليماً متميزاً.

 

وهذا ما عبرت عنه بالقول: "أشعر بالحماسة من أجلهم وأتمنى أن يعيشوا حياة رائعة لا تشبه كل ما عانيناه خلال الحرب. أريدهم أن يدرسوا وأن يصبحوا ناجحين في المستقبل. وأهم شيء بالنسبة لي هو أن يعيشوا بسلام، وألا يعيشوا أي شيء عشناه، مثل الموت والغارات الجوية. أتمنى أن يعيشوا حياة ملؤها الأمان والسلام"

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً