الصبار والحنظل..؟؟     

شخصيا انا سعدت بفوز السيد جو بايدن في الانتخابات الامريكية الأخيرة  وليصبح الرئيس رقم 46 لامريكا . جميع الشواهد تقول باننى لم اكن الوحيد السعيد بهذا الخبر بل ثلاثة ارباع سكان المعمورة من أقصاها الى أقصاها ان لم يكن اكثر قد سعدوا بهذا الفوز . ذلك ان الرئيس الحالي السيد ترامب لم يترك مشكلة الا وكان بطلها .. لم يترك دولة ما وشركة ما او حتى شخصا ما إلا وازعجه وسبب له الكثير من المتاعب والمضايقات  .. بدءا بروسيا ثم الصين ثم ايران  ووصولا بجارتيه المكسيك وكندا  ثم وعلى نطاق الافراد فقد شملت هذه الاهانات والمضايقات وزرائه وكبار موظفيه في البيت الأبيض نفسه !! مما يجعلنا نصدق ما قالته عنه ابنة أخيه ماري ترامب  والمتخصصة في علم النفس الاكلينكي في كتابها عنه بانه "انسانا نرجسيا مغرورا ومتنمرا  وأيضا محتالا" حيث انه دخل الجامعة عن طريق الاحتيال  (استأجر شخصا متفوقا ليقوم بانتحال شخصيته أي شخصية ترامب اثناء إجراءات مقابلات القبول للجامعة) كذلك وعن طريق الاحتيال والكلام للسيدة ماري  حاول حرمان اشقائه من ارثهم !!..اما بالنسبة لسلوكياته النسائية  فهى كثيرة, فقد كان على علاقات جنسية او تحرش اثمة مع الكثير من النساء سواء كن ممثلات اباحيات مثل ستورمي دانيالز او عارضة الأزياء في مجلة البلاي بوي الإباحية وغيرهن من النساء الاخريات حيث جرى التحرش القسري بهن رغم عدم اعترافه بذلك بحجة انهن" لسن من النوع المرغوب لديه"

اما بالنسبة لممارساته السياسية فحدث ولا حرج  فهو قد سحب بلاده من الكثير من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية المناخ  ومن منظمة الصحة العالمية  ومنظمة تشغيل أللاجئين  الفلسطينيين "الاونروا" وأغلق مكتب تمثيل السلطة الوطنية  الفلسطنية في أمريكا  وأنسحب ايضا من اتفاقية التجارة الحرة  ومن اكثر الاتفاقيات حساسية وهو الاتفاق النووي الإيراني والذي ابرم بين  ست دول وبضمان الأمم المتحدة .. كذلك وضع الكثير من الضرائب الاضافية على وارادات معظم الدول وخاصة الواردات الصينية .

وعلى الصعيد العربي والإسلامي فلقد حظر دخول أمريكا على مواطني الدول ذات الغالبية المسلمة  وابتز المملكة العربية السعودية بمئات المليارات من الدولارات لشراء أسلحة تمت المبالغة في تحديدها كما ونوعا . اما بالنسبة للقضية ألفلسطينية فقد كانت مصائبه معضلات و كوارث ماحقة  بدءا من نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس ومن ثم أصبحت القدس بقسميها الشرقي والغربي مدينة إسرائيلية موحدة و اصبح من الصعب على الفلسطينيين  والحال كذلك المطالبة بان تكون القدس الشرقية  عاصمة لهم . كذلك افتى السيد ترامب  بشرعية جميع المستوطنات  الاسرائلية والتي أقيمت على أراض مغتصبة من سكانها الأصليين الفلسطينيين ومن ثم يحق لإسرائيل ضمها الى دولتهم الحالية  وكذلك الحال بالنسبة لمرتفعات الجولان السورية أي انه وباختصار اختار بان تكون قوة الغاب هي شريعة العلاقات بين الدول واساسا وحيدا لحل منازعاتها .. ولم يكتف بذلك فقد اخترع ما سمى بصفقة القرن او بمعنى اصح مصيبة القرن والتي جردت الفلسطينيين من كل شيء ابتداء من حق العودة وحتى حق المواطنين  الفلسطينيين  في أراضيهم ومزارعهم والتي ما زالوا يعيشون عليها  ونتيجة لكل ذلك حاول السيد ترامب ان يلغي الشخصية الفلسطينية او مشروع الدولة الفلسطينية القابلة للوجود  وبدلا من ذلك  هناك شيئا واحدا فقط هو إسرائيل رضى من رضى وغضب من غضب !!

على الجانب الاخر فان الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن يمثل نقلة ما في الاتجاه المعاكس وذلك باعتبار ان الرئيس ترامب وكما وصفه بايدن  نفسه " ترامب أسوأ رئيس امريكي في التاريخ المعاصر" وللإلقاء الضوء على شخصية بايدن فهو انسان مثقف شغل عدة مناصب مفتاحية فقد كان نائبا للرئيس أوباما طيلة مدة رئاسته كذلك شغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي لفترات طويلة  حيث انه حصل على إجازة المحاماة واجيز قبلها في مجال التاريخ وعلم السياسة أيضا وانضم للسلك القضائي عام 1969  وهو ليبرالي معتدل واما على الصعيد الشخصى فهو انسان ذاق مرارة الحزن والإحباط اكثر من مرة  وبدأت ترجيدياته بموت زوجته وابنته ناعومي ذات السنتين في حادث سيارة وكذلك توفى ابنه" بو "عن عمر السادس والأربعين بسرطان المخ  واستمرت  إحباطات الترجيديا ليخسر انتخابات الرئاسة الامريكية قبلا ولينسحب من السباق الرئاسي عام 2016 تاركا المكان للسيدة هيلاري كلنتون لتتسابق مع ترامب .

اما بالنسبة لوضعة المالى فهو ليس مليارديرا مثل ترامب فقد كان يركب القطاريوميا  ليذهب لعمله في مجلس الشيوخ من مدينته ويلمنجتون الى مبنى الكونجرس في مسافة يقطعها القطار في 90 دقيقة لتبلغ عدد رحلاته اكثر من 7000 رحلة !!

كذلك لم يكن ممن يتهربون من الضرائب او يتحايلون عليها او من خدمة الوطن فقد خدم في العراق مع الجيش الأمريكي لمد عام كامل في الفترة من أكتوبر 2008 وحتى سبتمبر 2009

بالنسبة لعلاقاته النسائية فلم يلاحظ عليها شيئا حيث  انه يعيش مع زوجته الحالية السيدة جيل جايدكويس ومنذ عام 1977 ولديه منها ابنه وكان ان تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى السيدة نيليا هانتر في حادث السير المشؤم .

اما ممارساته السياسية الداخلية فيعتبر القائد للعديد من الجهود التشريعية لاصدار القوانين الخاصة بمنع المخدرات ومكافحة الجريمة والعنف ضد المرأة  واطلاق المزيد من الحريات المدنية . كذلك وعد بعودة أمريكا للمنظمات والاتفاقيات التي انسحبت منها . اما  سياساته في  ألمجال الخارجي فهو قد صوت لصالح غزو العراق واقترح تقسيمها الى ثلاثة أقاليم على أساس طائفى كما صوت لصالح غزو أفغانستان ويؤيد العقوبات الدبلوماسية مع استخدام العقوبات الاقتصادية مع ايران وكان المفاوض الرئيسي في الاتفاق الإيراني  النووي الذي عقد ابان الرئيس أوباما  وإن كان لا يعتبر الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية .بالنسبة للقضية العربية الفلسطنية فهو وكذلك نائبته كمالا هاريس  صديقان يعتمد عليهما  بالنسبة للاسرائيليين وان كان يؤيد حل الدولتين ولا يوافق على ضم المستوطنات وهضبة الجولان .

وبالنظر لما وصلت اليه القضية الفلسطينية من وضع صعب و خطير فكل ظنى انه لن  يقوم بإلغاء كل ما قام به سلفه ترامب من مظالم اتجاه الشعب الفلسطيني وانما سيقوم ببعض الجراحات التجميلية ليس إلا  فهو مثلا لن يعيد السفارة الامريكية الى تل ابيب ولكنه سيعيد فتح مكتب السلطة الفلسطينية  في نيويورك وسيعيد التبرعات المالية  للسلطة وللاونروا وسيضغط شيئا ما على إسرائيل لتتنازل عن شيء ما  ولو كان شكليا في مفاوضات جديدة مع الفلسطنيين

 

والخلاصة فان الرئيسين وسواء الرئيس ترامب  الحالي او بايدن الرئيس المنتخب لن يكون فارق ادائهما بالنسبة للفلسطنيين او العرب بشكل عام فارقا كبيرا من حيث المضمون او المحتوى ولكن الفارق سيكون في أسلوب المعالجة فالاول يمكن تمثيله بنبات الصبار ذوالعصير المر و الاشواك الابرية التى  تدمى كل ما يقف في طريقها وقد تسبب له عاهة مستديمة والأخر مثل نبات  الحنظل ذو الثمرة الكروية الصغيرة ذات الألوان والخطوط الجميلة والقشرة الملساء الناعمة وعصيره المسكن للألم ولكنه في النهاية  أيضا شديد المرارة .. انه العلقم

تم نشر هذا المقال في جريدة دنيا الوطن  يوم 30 اديسمبر 2020

 

 

 

 

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً