قضية الشيخ جرّاح فتحت لنا الجِراح!!
اكتب هذه المقالة وعيوني شاخصة نحو شاشة التلفاز واتابع وباهتمام واضح ما يحدث في فلسطين من احداث جسام حدثت نتيجة التهديد بطرد العائلات الفلسطينية من منازلهم في حي الشيخ جراح وما تبع ذلك من استفزاز الاسرائيلين للهذه العائلات وكذلك للمصلين المسلمين في المسجد الاقصى في شهر رمضان الكريم .
ورغم ان المجال لا يسمح لشرح قصة ماساة الشيخ جراح بالتفصيل إلا اننى اجد انه من المهم ان القى بعض الضوء على الخطوط الرئيسية لهذا النزاع الوجودي*.
باختصار شديد فان اسرائيل وفي كل فترة تريد ان تبتلع جزءا جديدا من الارض الفلسطسنية ومن ثم تقوم بتهويد هذه الاجزاء ولو عن طريق طرد سكانها الاصليين . وهي في هذا لم تكتف بما احتلته وبنسبة 78% من مساحة فلسطين الكلية وذلك في بداية قيامها في العام 1948 ولكنها استمرت في ابتلاع المزيد والذي وصل في العام 2017 الى 85% .( قناة الجزيرة الفضائية) وجريا على العادة السابقة فهي تريد الان تهويد القدس كلها وبالاخص بالمناطق التى تحيط بالمسجد الاقصى حيث الهيكل المزعوم -والذي اقر علماء الاثار الاسرائيليين انفسهم بعدم وجود هذا الهيكل -اما عن طريق شراء الارض بواسطة بعض الوسطاء والعملاء والذين هم وللأسف وكما نشر ينتمون لبعض الدول العربية او عن طريق ادعاء ملكيتهم للارض ومن ثم طرد سكانها العرب واحلالهم بالمستوطنين اليهود.
وإتساقا مع الخلاصة السابقة جاءت رغبة اسرائيل الحالية في طرد سكان مساكن الشيخ جراح وهي المنطقة المتاخمة للمسجد الاقصى الشريف فهي اي اسرائيل تريد طرد 38 عائلة عربية من مساكنهم والتى سكنوها ومنذ العام 1956 وحتى الان. وللحقيقة والتاريخ فان هذه العائلات والتى كانت 28 عائلة انذاك قد تم اسكانها في هذه المنطقة بعدما هُجّروا من مساكنهم الاصلية عام 1948 وتم هذا الاسكان نتيجة الاتفاق مع وزارة الانشاء والتعمير الاردنية ووكالة اغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطنيين “الاونروا” وذلك حينما كانت القدس الشرقية ومنذ العام 1951 خاضعة لحكم المملكة الاردنية الهاشمية . وقد تم الاتفاق آنذاك بان تقوم الحكومة الاردنية بتقديم الارض وتقوم الاونروا ببناء المساكن المطلوبة على ان يدفع هؤلاء السكان اجرة رمزية ولمدة ثلاث سنوات وفي المقابل تقوم الحكومة الاردنية وخلال هذه السنوات الثلاث بنقل ملكيتها الى هؤلاء السكان.
وكما يعرف الجميع ففي العام 1967 فان اسرئيل قامت باحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية حيث المسجد الاقصى ومنطقة الشيخ جراح وغير ذلك من المناطق العربية .ورغم ان القانون الدولى لا يسمح لاي دولة محتلة بإجراء اي تغيرات في المناطق المحتلة إلا ان اسرائيل قامت في العام 1970 بانتهاك هذا القانون وذلك بتشريع قانون يسمح لليهود فقط باستعادة الاراضى التى كانت مملوكة لهم قبل العام 1948 اي ان هذا القانون لا ينطبق على المهاجرين العرب ومن ثم فانه لا ُيسمح للعرب باستعادة ممتلكاتهم في فلسطين والتى كانوا يمتلكونها قبل العام 1948 , لا بل ليس ذلك فقط بل قامت الحكومة الاسرائيلية بمنح اليهود تعويضات ايضا عن هذه الاملاك!
على اثر هذا القانون العنصري الجائر وفي العام 1972 قامت لجنة من السفاريم ولجنة من الاشكناز اليهوديتين بادعاء ملكية اراضي الشيخ جراح ومنذ العام 1885 اي ابان الحكم العثماني لفلسطين ( تركيا حكمت فلسطين منذ العام 1517 وللعام 1917 حسب احوط المصادر) ورغم عدم وجود الوثائق الدامغة التى تؤيد هذا الادعاء ورغم ان الجانب العربي الفلسطينى وفي العام 1977قام بتقديم بعض الوثائق من الطابو التركي ( مركز تسجيل الاراضى) والتى كانت في جانب الطرف الفلسطينى إلا ان المحكمة الاسرائيلية لم تأخذ بهذه الوثائق. وبناء على هذا فلقد تم بالفعل وفي نوفمبر 2008 بطرد عائلة الكردي ( انظر ص26 لقراءة هذه القصة بالتفصيل) وعائلتى حنون والغاوي في اغسطس 2009. وتم اعطاء منازلهم المصادرة الى المستوطنين.
هذه اذن هي القصة , ومن ثم فانه ومن خلال العرض السابق يتضح حجم الظلم الذي وقع على سكان حي الشيخ جراح . والان نود ان نسأل من الذي بدأ في اشعال هذه الفتنة ؟ وهل كانت حكومة اسرائيل تتوقع من الفلسطنيين العرب والذين هُجّروا وبفعل النكبة الفلسطينية وفقدوا كل متاعهم وثرواتهم ليبدأوا حياتهم الجديدة من الصفر في مساكن حصلوا عليها وبطريقة قانونية ومنذ العام 1956 ولللان اي اكثر من 65 عاما ان يتركوا هذه المنازل ليسكنها مستوطنون قدموا لفلسطين من دول مختلفة وبدون وجه حق ؟ وهل يستطيع الفلسطينيون ان يتركوا هذه المساكن وقد اصبحت جزءا من انتمائهم لارض ابائهم واجدادهم والذين دفنوا في هذه البقعة من الارض ؟ واذا كانت إسرائيل تقول انها تنتزع الارض من هؤلاء وتعطيها وكما تزعم الى اصحابها الاصليين اي اننا اذا قبلنا بهذا المبدأ جدلا رغم بطلان هذه الملكية وزيف الادعاء , نقول اذا كانت اسرائيل تتدعى انها بلد احترام القوانين والديمقرطية فكيف تسمح لليهود بان يستعيدوا أملاكهم بينما لا يحق للفلسطنيين من سكان اسرائيل نفسها بهذا الحق ؟ واي معايير هذه وهي لا تطبق بنفس الدرجة على جميع مواطنى البلد الواحد ؟ وهل تستطيع اسرائيل ان تنفى عن نفسها في هذه الحالة تهمة العنصرية والفصل العنصري؟ والسؤال الاكبر لماذا ترفض اسرائيل عودة من يريد من الفلسطينيين الى ديارهم والتى أُرغموا على تركها وقامت اسرائيل بالاستيلاء عليها ورغم قرارات الامم المتحدة بهذه الحقوق والتاكيد على هذه الحقوق باكثر من قرار. واين مصداقية ان تسمى املاك الفلسطنيين والتى اجبروا على الرحيل عنها اسم “املاك الغائبين” واين هم الغائبون وهم حاضرون ولكن اسرائيل هي نفسها التى لا تسمح لهم بالدخول ؟ لا بل الاغرب من ذلك ان بعضا منهم لا زالوا يعيشون في إسرائيل ولكنهم هجروا من منازلهم الاصلية وتأووا في منطقة مجاورة لأملاكهم الاصلية !! كل هذه الاسئلة منطقية الطرح نريد اجابة واضحة مقنعة عليها ؟
أما وان يشعر الفلسطنيون بهذا الظلم الواضح والتزييف الجلى للحقائق التاريخية الدامغة ومن ثم يكون من نتيجة ذلك اضطراب ورفع لصوت المظلوم وهو يعذب بسياط الظالم ويتهم بانه مثير للشغب او الارهاب وان مايحدث حاليا من قمع واستفزاز لاناس لجأوا الى المسجد الاقصى يشكون لخالقهم عبر هذا المنبر الروحي ان يستجيب لهم برفع هذا الظم ومن ثم تحدث الاشتباكات بينهم وبين من يستفزهم من الاسرائليين اليهود وتأتي الشرطة لتؤيد الجانب الظالم وتهين المظلوم وتتوقع ان لا يقوم الفلسطينيون العرب باغاثة إخوانهم المظلومين ومحاولة رفع الصوت لاسماع العالم بهذه القضية فهذا هو الاستكبار والغرور بعينه. اما التزييف الاكبر بان يطلق على هؤلاء بانهم ارهابيون فقط لمجرد انهم هبوا لإغاثة المظلوم او انهم يطالبون بحقوقهم !!
واخيرا فان القضية لم تنه بعد و لقد كبرت كرة النار ووصل سماع دوي لهيبها المستعر الى جميع انحاء العالم ولم تستطع الدولة الراعية الأولى لإسرائيل أي أمريكا من ان تساند إسرائيل وبالمطلق ومن ثم فقد اضطرت الى ان تلوم اسرائيل بكلمات فيها شيئا من التوبيخ الباهت وتحميل المسؤولية بعبارات مترددة خجلى وهكذا فعلت ايضا دولتنا كندا والتى اعربت وفي بيان وزارة الخارجية انها لا تؤيد طرد سكان الشيخ جراح وتؤيد حق الفلسطنيين في اقامة دولة خاصة بهم الى جانب الدولة الإسرائيلية وركزت على انه من حق إسرائيل ان تعيش بسلام وكأن إسرائيل
( انظر النص الكامل للبيان على الصفحةرقم 8)
* وكالة الاناضول - القدس عبد الرؤوف ارناؤوطهي البلد الوادع الذي ينشد السلام !!ولكن عضوة االحزب المعارض للحكومة وهو حزب الديمقراطيين الجدد NDP السيدة ليندسى ماثيسين Lindsay Mathyssen أصدرت بيانا اليوم أي 14 مايو يندد بالسياسة الاسرائيلية في هذا الصدد ويطالب الحكومة الكندية والتي هي بقيادة الحزب الليبرالى وعلى رأسها ترودو بان يضغط على إسرائيل كي تحترم القانون الدولى وحقوق الانسان للفلسطينيين .
وختاما هاهو مبعوث الرئيس
بايدن يصل الى المنطقة فهل يستطيع ان يلجم النهم الاسرائيلى من شهوة الابتلاع ؟ وهل يكون من الشجاعة بحيث يوبخ الإسرائيليين بكلمات واضحة بعدما جبنت حكومته ولوحدها فقط ولم توافق على عقد مجلس الامن مرتين واجهضت مشروع قرار في المحاولة الثالثة خشية لوم إسرائيل او حتى الاعراب عن رفض المجلس لفكرة طرد سكان الشيخ جراح في جلسات مجلس الامن ؟؟ دعونا ننتظر لنرى؟
اخر رشفة:
بصدور هذا العدد تكمل جريدة هنا لندن عامها التاسع ومن ثم تبدأ في سنتها العاشرة .وانا بهذه المناسبة اهنئ واشكر جميع معلنيها وقرائها الكرام والذين كانوا السبب الاساسي في صمودها في وجه التحديات التى واجهتها ومنذ عددها الاول فقد حددت ميثاق شرف لسياساتهااذا كتبت في عددها الاول الصادر بتاريخ 15 مايو 2012 “ رسالة هذه الجريدة هي ان تكون رسالة محبة وسالم لكل فرد عربي فهي تربط وتدعم اواصر المحبة والصداقة بين جميع افراد الجالية العربية اينما كانوا وتعمل على ابراز الشخصية العربية بطريقة ايجابية تسلط الضوء على الناجحين من العرب ليكونوا فخرا لنا وقدوة البنائنا وكذلك تحرص على التكيف االايجابي للانسان العربي مع هذا الوطن الحبيب بكل جالياته مما يحعل جميع ابناء هذا الوطن : كندا يعيش في امن وسلام ,انها وباختصار الجريدة التى تحب القارئ وتسعى اليه ومن ثم فهي تتوقع منه ان تكون اختياره االاول وبلا منازع ومن ثم تنأى بنفسها عن الدخول في صراعات او منازعات او اثارات دينية او سياسية او عرقية وتتبع في سبيل ذلك »ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة« واسلوبها هو » ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من حولك«وربما تمادت في ذلك لتصل الى احبوا منافيسكم انها الرسالة الصحفية كما ينبغي ان تكون : إحترام و تثقيف واعلام المجتمع “ والان وبعد كل هذه السنين الطويلة فهل ظلت هذه الجريدة وفية لسياساتها
نحن نحيل هذا السؤال لك ايها القارئ العزيز لتقرر هل نجحنا ام لا؟
من جانبنا نحن نعتقد بان هذه الجريدة وبحسب شهادة القراء بانها اصبحت من الجرائد المعروفة جيدا عند جميع القراء ليس فقط في مدينة لندن او حتى مقاطعة اونتاريو بل في الكثير من الدول العربية مغربا ومشرقا حيث اصبح لها موقعا الكترونيا متميزا يزوره اكثر من 1300 زائر يوميا .
ليس هذا فقط بل ان اعداد النسخة الورقية قد تضاعف شانه في هذا شأن عدد صفحاتها فقد حدث هذا التضاعف سواء في العدد المطبوع او عدد الصفحات اكثر من مرة وكما يذكر القراء لقد بدأنا ب 12 صفحة ووصلنا الى 48 صفحة ولكننا في معظم الاحيان نجعلها 44 صفحة لاننا وجدنا ان زيادةعدد الصفحات لا تعنىي بالضرورة ازيادة النوعية بل ربما تزداد فرصة الحشو والتكرار وتدنى النوعية.الا عندما تكون هناك حاجة حقيقية لذلك.
واخيرا انا لا اريد ان اتغزل في محاسن هذه الجريدة اذ اترك هذا الحكم للقارئ الكريم ولكن اقول ان التزام هذه الجريدة ووفائها لقرائها حقيقة لا تنكر اذ انها كانت الجريدة الوحيدة التى لم تتخلف عن الصدور ومنذ انطلافها حتى الان بل صدرت جميع طبعاتها الورقية بدون اي توقف في اصعب الاوقات حينما توقفت جميع الصحف العربيية بطبعتها الورقية في اونتاريو عددا او اكثر بسبب الكورونا بينما صمدت هذه الجريدة الوليدة امام هذا الوباء الخبيث.