في يوم 12 نوفمبر وقبل سبعة عشر عاما فقدت الامة العربية لا بل العالم اجمع شخصية كريزماتية عظيمة تمثلت في الرئيس المرحوم ياسر عرفات .. المقال لا يتسع لذكر تاريخ هذا الرجل والذي استطاع ان يكون علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطينى سواء حينما كان رئيسا لاتحاد الطلبة الفلسطنيين بالقاهرة ومرورا بانشاء حركة التحرير الفلسطينى فتح واخيرا بتوقيع معاهدة اوسلو وما تبعها من مباحاثات  واتفاقيات في كامب ديفيد سيئ السمعة ومن ثم فان هذا المقال سيركز فقط على اول لقاء تشرفت فيه بلقاء الزعيم عرفات حيث سعدت بلقائه اربع مرات اخرها وربما اهمها كان على ارض الصمود غزة العزة.  وربما تتيح لي الظروف ان اكتب عنها مستقبلا حيث انها كانت فيما لو سرت في طريقها لتغيرت حياتي الوظيفية والاجتماعية تغيرا دراماتيكيا واضحا.

اعود لقصة اول لقاء مع الرئيس عرفات والذي كان في حدود العام  1994حينما كنت اعمل خبيرا في المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة اليكسو والتى كان مقرها انذاك في تونس وكنت انا منتدبا من قبلها للعمل كاستاذ في جامعة صنعاء وبالتحديد كرئيس لقسم تكنولوجيا التعليم  بكلية التربية.. في احد الايام وحينما رجعت الى منزلي بسكن اساتذة الجامعة وعائدا لتوي من دعوة افطار رمضانية عند احد الاصدقاء وجدت رسالة صوتية مسجلة على تليفون المنزل ( لم تكن تليفونات الموبايل شائعة بعد), كانت الرسالة من السفارة الفلسطينية بصنعاء  وتطلب منى الحضور الى قصر الرئيس  عرفات بصنعاء لامر هام . بعدما استفسرت من بعض الاصدقاء اين يقع هذا القصر قيل لي انه منزل مستأجر يقع تماما امام السفارة الفلسطينية بحي الصافية بصنعاء وعلى مسافة ربع ساعة بالسيارة من سكنى بسكن اساتذة الجامعة بوادي ظهر. بالطبع قمت من ساعتى بالذهاب الى القصر لاجد ثلة من الحرس والذين ترفقوا في سؤالى ومن ثم قادني احدهم الى الداخل ومن ثم الى غرفة صغيرة لا تتسع لاكثر من ستة اشخاص  وبها مكتب صغير متواضع  وقام من يجلس خلف هذا المكتب ليسلم علي على طريقة الاحتضان فاكتشفت اننى امام الرئيس عرفات شخصيا ولاول مرة في حياتي . صحيح انه سبق لي مشاهدة عرفات شخصيا ولكن من بعد وذلك حينما كان يحضر الى الكويت وتوجه الدعوة للجميع لحضور خطاب له .

كان الزعيم يلبس الزي العسكري ويضع الكوفية الفلسطينية المبرقشة على رأسه . بعد ان جلست على المقعد الفارغ الوحيد الموجود في الغرفة وتمعنت في وجوه الحاضرين تبين لي وجود  الاستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح رئيس جامعة صنعاء واحد مستشاري  الرئيس على عبد الله صالح  والصديق الاستاذ الدكتور حامد النخالة والصديق الاستاذ الدكتور موسى الصفدي ودكتورا اخر يعمل في مركز اللغات بالجامعة لا اتذكر اسمه وبالقرب من الزعيم عرفات جلس الاخ الصديق الاستاذ عبد الله ابو الهنود القائم باعمال سفير دولة فلسطين بصنعاء والذي حل محل الاخ ابو روؤف السفير الفلسطينى والذي كان قد توفاه الله قبل مدة وجيزة.

حينما دخلت الغرفة كان عرفات يتكلم عن احد مؤتمرات القمة العربية وما تحقق خلاله من مكتسبات فلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعن تبعيات اعلان الدولة الفلسطينية , كان الجميع يصغى لحديث الرئيس عرفات الشيق وتعليقاته اللاذعة بعد حوالى الساعة استأذن الدكتور المقالح بالانصراف فقام عرفات ورافقته انا لتوديع الدكتور المقالح حتى الباب الخارجى للقصر  وفي اثناء ذلك ذكر الدكتور عبد العزيز المقالح  وبصوته الخفيض وادبه الجم للزعيم عرفات كلمات مديح خاصة بي وبسعادته بقبولى ان اختار جامعة صنعاء للعمل فيها حيث ان اليكسوكانت  قد عرضت على ثلاث دول عربية للعمل في جامعاتها ففضلت اليمن . بالطبع قمت بشكر الاستاذ الدكتور المقالح على تكريمي امام زعيم بلادي ورغم اننى كنت ازور الدكتور المقالح في مكتبه لماما إلا انه ومن تلك الساعة توثقت علاقتى بالدكتور المقالح لاكثر من زيارته في مكتبه لاستمع مع الحضور الى حديثة الشيق ونبرات صوته المريح لللأذن وهو يدلى بعلومات لا حدود لها خاصة بالتاريخ اليمنى وثورات الشعب على حكم الامامة المتخلف السابق اضافة الى بعضا من ابيات شعره الرصين

بعدما ودعنا الدكتور المقالح وفي طريق عودتنا الى الغرفة قال لي الرئيس عرفات وباللهجة المصرية  التى يتحدث بها " عبد الله انا عايزك في غزة" وصلنا للغرفة واخذ زملائي الدكاترة يتحدثون عن القضية الفلسطينية والقضايا الفلسطينية العربية واليمنية  واتجاهات طلاب الجامعة نحو المنظمات الفلسطينية مثل فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية ..الخ وهكذا اخذنا الحديث الى ما بعد الساعة الحادية عشرة مساء حينها طلب منا ان ننتقل الى مكان مجاور ملحق بالقصر حيث وجدنا صالة كبيرة بها طاولة  طويله حولها اكثر من عشرين كرسي طعام ووضع على الطاولة الكثير الكثير من الطعام ومن ثم وبصوت مشجع مضياف  طلب منا الزعيم عرفات ان نجلس حول المائدة لتناول طعام السحور وحضر عدد من العسكريين ليشاركونا الطعام وكذلك عددا من طاقم السفارة . كان الطعام شهيا وكان الرئيس عرفات وباسلوبه الودود والذي ياسر السامع او بدرجة ادق "يمغنط" المستمع يمازح الحضور ويحثهم على الاكل. كان المرحوم في منتهى البساطة والتلقائيه واطلاقا لا يشعرك بانه رئيس او يعيش داخل قفص البرتوكول الديبلوماسي وبالصدفة كان مكان جلوسي مواجها تماما للكرسي الذي جلس عليه الرئيس ابو عمار وهنا بادرني وسألنى "هوة الدكنور محمد على الفرا بيقربلك ايه"؟ى فقلت له انه  اخي الشقيق  وهو بخير وحاليا موجود  في عمان  ويعمل عميدا لكلية الاداب في احد جامعاتها اعتقد جامعة عمان الاهليه   فقال ابلغه سلامي الحار. هذا وكان اخي د.  محمد قد ذكر لي  ان الرئيس عرفات وايام تأسيس حركة فتح قد زاره في منزله ( منزل اخي) في الكويت وبرفقة الاستاذ  سليمان ابو كرش حيث عرضا على اخى الانضمام الى الحركة . بعد ذلك قام الزعيم عرفات ليلتقط من جانبه على المائدة  طبقا صغيرا  وقال لي  وهو يقدم الطبق لي هذه حلوى لذيذة انها "ام علي" وبالفعل كانت حلوى ام على  طيبة المذاق جدا  شأنها في هذا شأن باقي الاطباق الموضوعة والتى قام فندق شيراتون صنعاء باحضارها لهذا السحور .

بعد ان تناولنا السحور قام تالزملاء بطرح بعض  الاسئلة على الرئيس ابو عمار  وكان يجيبهم بكل ذكاء ولطف , وهنا سألنى  الرئيس ماذا يقول زملائك الدكاترة في الجامعة عن اتفاقيتنا مع اسرائيل  فقلت يا سيادة الرئيس  وبصراحة يقولون وخاصة المصريون انها جيدة ولكن فيها الكثير من الفخاخ المقلقة  واننا لو قبلنا بحضور اجتماع مينا هاوس في القاهرة ايام الرئيس السادات حينما وضع علم فلسطين على الطاولة المخصصة لنا  لكنا حصلنا على اعتراف اسرائيل بالدولة الفلسطينية  وباستقلاليتها  دون ان نمر بهاليز المراحل المطلوب منا اجتيازها لنصل الى الاعتراف الاسرائيلى بدولة فلسطين والذي نطالب به حاليا ولا نسمع إلا المماطلات .ز حينها نظر الي الرئيس رحمه الله واجاب بحسم  هذا الكلام غير صحيح ولم يعرض علينا شئ كهذا في ذلك المؤتمر  وسوف اطلب من سفرائنا توضيح هذه النقطة واردف عموما ها نحن نركبنا القطار  وسنعدل ركوبنا من درجة الى درجة افضل  اثناء سير القطار وانهى حديثة المهم ان القطار قد تحرك فعلا.

والان وبعد تلك المسرة المضنية الطويلة وسقوط الفارس عرفات وموت الذئب رابين ترى الى اين وصلنا يا سيادة الزعيم الخالد ؟

 

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً