قبل حوالى اربعة سنوات وفي يوم الرابع من شهر ديسمبر عام 2017  اعلن عن مقتل الرئيس اليمنى الاسبق على عبد الله صالح. شخصيا انا حزنت واسفت كثيرا لموته وعلى الطريقة التى تم بها  قتله . وكذلك ومنذ ايام قليلة فقط وفي يوم السادس من الشهر ديسمبر الحالى  بلغنى نبأ  وفاة الصديق مجاهد العشماوي  في صنعاء وهو الشاعر المصري الملقب بابن النيل والذي سيظهر ان له علاقة كبيرة بما سأكتبه في هذا المقال.

وكمقدمة بسيطة اقول انا عشت في صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية عشرة سنين كاملة 1989-1999 حينما كنت منتدبا من قبل أليكسو  كبروفيسور للعمل في جامعة صنعاء وللامانه لقد احببت هذا البلد العريق الاصيل في عروبته  الودود الطيب في علاقاته  ومن ثم فلقد توثقت علاقاتي مع جميع طبقاته ولهذا فقد كنت احظى بكثير من الدعوات الشعبية في والرسميه في المناسبات المختلفة  اما للمشاركة او الحضور. وفي العادة كانت هذه الدعوات تتم عن طريق البريد العادي او عن طريق الهاتف او  الحضور الشخصى. وانسجاما مع ذلك وفى احد ايام شهر يونيو عام 1994 حضر الى مكتبى بالجامعة صديق كنت قد قابلته في اكثر من مناسبة رسمية وكان يلقب بالشاعر ابن النيل وحسبما عرفت انه  كان لاجئا سياسيا في صنعاء بالطبع رحبت بضيفى المشهود له  بالناصرية والوطنية العروبية واخذت استمع لما قدم من اجله . قال انه وبالنظر للحرب الاهلية الضارية  القائمة حاليا في اليمن بين شقيه الشمالى وعاصمته صنعاء  والجنوبي وعاصمته عدن  واللذان تمت الوحدة بينهما عام 1990 ليكونا الجمهورية العربية اليمنية ولكن  ومنذ اعلان هذه الوحدة فقد تعرضت للكثير من المؤمرات من خارج اليمن  ومن ثم تحريض كل طرف على الطرف الاخر بغية كسر هذه الوحدة وفصل كل شق عن الشق الاخر .والان ها نحن نشهد  هذه الحرب الانفصالية بقيادة الرئيس السابق علي سالم البيض والذي هو نفسه وقع اتفاقية الوحدة قبل اربع سنوات!!وانهى كلامه بانه ومن غيرته على هذه الوحدة اليمنية وحرصه على بقائها فقد تشاور مع بعض الشخصيات العربية المرموقة في صنعاء وانتهى الوضع  بتشكيل لجنة  اطلق عليها اللجنة العربية للدفاع عن الوحدة  وتكون مشكلة من جميع الجنسيات العربية الموجودة في صنعاء  وان المؤسسين قد اختاروني لاكون أمين سر هذه اللجنة والتى اتفق على ان يرأسها الصحفى الدكتور حسن مي .

كان الامر مفاجأة بالنسبة لي ومن ثم سألته عن هؤلاء المؤسسين  وعن النشاطات المطلوبه من هذه اللجنة وقانونيتها . وباختصار قلت له اننى اشكر لهذه اللجنة  هذا التكريم  باختياري فيها وهذا شرف لي ان اكون احد المدافعين السلميين عن الوحدة  ولكن مع الاخذ بالاعتبار اننى رجلا اكاديميا ولا امتهن السياسة ولا  احبها . فانا مثلا لا اريد ان اكون ضمن وفودا سياسة تبعث من قبل هذا الطرف او ذاك لزيارة سفارة دولة ما او السفر لدولة ما لتوصيل او ايصال رسالة ما وهنا قاطعنى محدثي  قائلا :لا نحن نقدر ظروفك وانك منتدب من جهة دولية ( في هذا الوقت كنت قد انتقلت من أكسوالعربية  الى اليونسكو الدولية )  واضاف كل المطلوب منك هو ان تشارك  في الاحتفال الجماهيري  الذي قررت اللجنة العربية للدفاع عن الوحدة القيام به لتعبئة الراي العام ضد هذه الحرب الانفصالية  وحبذا لو القيت كلمة قصيرة فيه . ودعت الصديق ابن النيل على امل ان افكر في إلقاء خطاب  في هذه المناسبة من عدمه .

 قبل الاحتفال بثلاثة ايام وكنت قد قررت عدم إلقاء اي خطاب لا لعدم اقتناعي بالامر ولكن لان هناك الكثيرون ابدوا رغبتهم في الخطابة والقاء القصائد . اقول قبل ثلاثة ايام فوجئت بمكالمة هاتفية من مدير مكتب الاستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح  بانه يريدني ان احضر الى مكتبه خلال اليوم لامر هام . اثناء المقابلة فوجئت بان الدكتور المقالح على علم بامر هذه اللجنة ومن اجل ذلك فانه  يعرض علينا  قاعة الزعيم جمال عبد الناصر( وهي اكبر قاعة في الجامعة) لنقيم احتفالنا فيها واضاف بان  مدير مكتب الرئيس على عبد الله صالح قد اتصل به  ليخبرنا بان الرئيس يود ان يلقى خطابا في هذا الاحتفال المزمع وانهى كلامه بانه يطلب منى ان القى كلمة في هذا الاحتفال بالنيابة عن الدكاترة العرب الذين يعملون في الجامعة وقال بطريقة لا تخلوا من القصد انا اعرفك من خلال كتاباتك في جريدة 26 اكتوبر ان اسلوبك دبلوسي شيق وانك تؤيد الوحدة وان تحذر من  انه اذا نجح هذا الانفصال فان الدول المجاورة والتى تشجعه سوف تعاني من ان ينتقل داء الانفصال اليها.

عدت لمنزلى  احمل احمالامن الهم  , ازدحمت الافكار في رأسي سلبا وايجابا اذ اننى وفجأة وجدت نفسي امارس السياسة والتى وكما اسلفت لا احبها واننى في موضع لا استطيع الرفض فيه  ومن ثم هاتفت ابن النيل وباعتباره الناطق الرسمي لهذه اللجنة واخبرته بعرض الدكتور المقالح وبطلب الرئيس صالح  وبعد مداولات قصيرة تم الاتفاق على ان يقتصر الاحتفال على كلمة ترحيب وتأييد من رئيس اللجنة الدكتور حسن مي وكلمة من الرئيس صالح وكلمة منى  وإلغاء اي مشاركات اخرى.

في صباح يوم الاحتفال ذهبت الى قاعة الزعيم عبد الناصر لأجد الجامعة مطوقة بعربات عسكرية بل ان شارع الدائرى والذي تقع القاعة فيه كان مغلقا امام السير الاعتيادي. وحينما دخلت الى داخل مبنى الجامعة ومن ثم  القاعة كانت الفنيون يجرون تجاربهم على الصوت والاضاءه وكانت القاعة ممتلئة لنصفها تقريبا بحضور كبار الشخصيات من زعماء القبائل والحرس الخاص  بكل واحدا منهم  وحينما اصبحت على خشبة المسرح الكبير للقاعة وجدت الرئيس حسن مي والاخ ابن النيل وشخصا ثالثا عراقي الجنسية( لا اذكر اسمه ) وقد جلس الجميع خلف منضدة طويلة  مزينة بالزهور وامامها العديد من الميكروفونات واجلسوني معهم  وماهي إلا دقائق حتى سمعنا من خلف الستارة ضجة وحركة اقدام وصوت هتافات مدوية تحي الرئيس صالح وتعلن عن تأييدها له . هنا طلب منى رئيس اللجنة ان اذهب للرئيس صالح واسأله متى يريد ان يلقى خطابه هل قبل خطاب رئيس اللجنة وخطابي ام بعد ذلك . وبدون تردد  تحركت نحو احد جوانب المسرح ومن انفراج بسيط للستارة نزلت الدرجات القليلة لاصبح على مستوى ارضية القاعة وانظر لاجد ان الصالة قد إمتلئت تماما بالحضور من الشخصيات الرسمية وعلى رأسهم الرئيس صالح ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان وكذلك على العديد من سفراء الدول المعتمدة لدى  الجمهورية اليمنية وفيما اذكر كان السفير العراقي د. محسن خليل ( على ما اذكر)  يجلس ملاصقا للرئيس صالح ومن ثم جلس السفير الفلسطينى انذاك الاستاذ يحي رباح  وايضا الدكتور المقالح والذي كان ملاصقا للرئيس صالح من الناحية الاخرى . بالطبع اتخذت طريقى مباشرة نحو الرئيس صالح وكان لا يبعد عنى إلا امتار حينما سمعت حركة تكتة اسلحة وطقطة أزندتها  . نظرت حولي لارى ان عددا كبيرا ممن كانوا واقفين على الحوائط الداخلية للقاعة قد اخذو وضعية اطلاق النار عليّ. تجمدت مكاني وبدأت اتشاهد على روحي وفي هذه اللحظة الحرجة جدا  والتى كانت اقل من ثواني معدودة جاء  سترالله وذلك  بأن اشار لهم الرئيس بيده ان يكفوا ومن ثم كفت ايديهم عن الزناد ورجعوا الى وضعيتهم الاولى اي استعادوا استقامة اجسادهم . ورغم هذا الموقف العصيب الذي حدث لي ووسط هذا الذهول الذي احتواني استأنفت سيرى لاصل الى الرئيس واسأله متى يود ان يخطب  وهنا ابتسم لي وقال عليكم ان تبدأوا الاحتفال وتلقوا خطاباتكم  وبعد ذلك سأتكلم لاوجه خطابا الى الامة العربية كلها  . بالطبع تم الاحتفال وفق النسق الذي اراده الرئيس وتكلم رئيس اللجنة مرحبا ومؤيدا للوحدة ومن ثم تكلمت انا فتحدثت عن الامل الذي دغدغ احلامنا  بهذه الوحدة  العظيمة  وكنا نتطلع لوحدة عربية شاملة لما يوجد بين الشعوب العربية من صلات حقيقية . هكذا كانت كلمتى تدور حول الحدث دون ان تدخل في ملابساته وتذكر فوائد الوحدة ولا تتطرق الى مبطلاتها  وتتكلم عن ابطال الوحدة وحبهم لبلدانهم  وتحذر ناقضيها  بان التاريخ لن يرحمهم دون ات تدخل في المتاهات السياسية والايدلوجية وكذلك قلت ان ما يحدث حاليا في اليمن  اذا ما لا قدر الله نجح  فانه سيحدث قريبا في اي بلد مجاور ومن ثم فلا مصلحة لاحد في اشعال مبدأ الانفصال في اي بلد عربي.

بعد انتهاء الاحتفال اتصل الكثير من المعارف والاصدقاء وحتى بعض المسؤلين لتهنئتى على السلامة  من موت محقق وكذلك اثنى البعض الكلمة الموضوعية التى قلتها  .

 

شارك مع أصدقائك
  • gplus
  • pinterest

أخر الأخبار

لا يوجد أخبار

أحدث التعليقات

    لا يوجد تعليقات

أترك تعليقاً